دَرَّتْ خُلوفُ الدّنيا لساكنها ... وقلَّ مَعسورُها وعاسِرُها
وانفرَجَتْ بالنعيمِ وانتجعَتْ ... فيها بلذاتها حواضِرُها
فالقومُ منها في روضةٍ أُنُفٍ ... أَشرَقَ غِبَّ القِطارِ زاهرُها
مَن غرَّهُ العيشُ في بُلهْنِيةٍ ... لو أنَّ دُنيا يدُومُ عامرُها
دارُ ملوك رَسَت قواعدها ... فيها وقرَّت بها منابرُها
أهلُ العلا والندى وأندِيةُ الـ ... ـفخرِ إذا عُدّدَت مَفاخرُها
أَفراخُ نُعْمَى في إرْثِ مَمْلَكَةٍ ... شَدَّ عُراها لها أَكابِرُها
فلمْ يَزل والزَّمان ذُو غِيَرٍ ... تقدَحُ في مُلكِهَا أَصاغِرُها
حتى تَساقتْ كأسًا مُثَمِّلةً ... من فتنة لا يقال عاثِرُها
وافترقتْ بعدَ ألفَةٍ شِيَعًا ... مقطوعةً بينَها أَواصرُها
يا هل رأَيتَ الأَملاكَ ما صنعت ... إذ لم يَرُعْها بالنصح زاجِرُها
أَوْرَدَ أَملاكُنا نفوسَهُم ... هُوَّةَ غَي أَعْيَتْ مَصادِرُها
ما ضرها لو وَفَتْ بمَوْثِقِهَا ... واستحكمت في التُّقَى بصائرها
ولم تسافِك دماءَ شيعتها ... وتبتعِث فتيةً تكابرها
وأَقنعتها الدنيا التي جُمعَت ... لها وَرُعْبُ النفوسِ ضائرُها
ما زال حوض الأَملاك يحفره ... مسجُورها بالهوى وساجِرُها
تبغي فضول الدنيا مكاثَرَةً ... حتى أُبِيحَت كُرْهًا ذَخائِرُها
تَبيعُ ما جمَّع الأُبُوَّةُ لِلـ ... ـأبناءَ لا أَربحَت متاجِرُها
يا هل رأيت الجنَان زاهرةً ... يرُوقُ عينَ البصيرِ زَاهرُها
وهل رأيتَ القُصورَ شارعةً ... تُكِنُّ مثلَ الدُّمى مقاصرُها
وهل رأيت القُرى التي غَرسَ الـ ... ـأملاكُ مخضرَّةً دَساكِرُها
محفوفةً بالكرومِ والنخل والرَّ ... يحانِ ما يستغلُّ طائرُها
فإنها أصبحت خلايا من الـ ... ـإنسانِ قد أُدْمِيَتْ محاجرها
قَفرًا خَلاءً تعوِى الكلابُ بها ... ينكرُ منها الرسومَ زائرُها
وأَصبحَ البؤْسُ ما يفارُقها ... إلفًا لها والسُّرورُ هاجرُها
بِزَندوَرْدٍ واليَاسِرِيَّةِ والشَّطـ ... ـين حيث انتهت معابرها
ويا ترلحى والخيزُرَانية الـ ... ـعليا التي أَشرفت قناطرُها
وقَصرِ عَبدوَيْه عبرةٌ وهُدًى ... لكلِّ نفسٍ زَكَتَ سَرائِرُها