فأَين حُرّاسُها وحارسُها ... وأَين مجبورُها وجابرها!
وأَين خِصيانها وحِشْوَتُهَا ... وأَين سكَّانُها وعامرُها
أَين الجَرادِيَّةُ الصقالبُ والـ ... ـأحبُشُ تعدوُ هُدْلًا مَشافرُها
ينصدعُ الجندُ عن مواكبها ... تعْدُو بها سُرَّبًا ضوامِرُها
بالسِّندِ والهند والصقالِبِ وَالـ ... ـتوبَةِ شِيبَتْ بها بَرابرُها
طيرًا أَبابيلَ أَرسلَت عَبَثًا ... يقدُمُ سُودانَها أَحامِرُها
أَين الظِّباءُ الأَبكارُ في روضة الـ ... ملكِ تَهادَى بها غَرائِرُها!
أَين غَضاراتُها وَلَذَّتها ... وأَين مَحبُورُها وحابِرُها!
بالمسك والعنبرِ اليمانِ والـ ... ـيلنجُوجِ مَشبُوبَة مَجامِرُها
يَرفُلْن في الخَزِّ والمجَاسِدِ وَالـ ... ـموْشيِّ محطومَةً مَزامِرُها
فأَين رقاصها وَزامِرُها ... يُجِبْنَ حيثُ انتهت حناجرُها
تكادُ أَسماعُهم تُسَكُّ إذا ... عَارضَ عِيدانَها مَزاهرُها
أَمسَت كَجَوف الحِمار خَاليَةً ... يَسعَرُها بالجحيم ساعرُها
كأنَّما أَصبحتْ بساحتهمْ ... عاد ومسَّتْهُمُ صراصرُها
لا تعلمُ النفسُ ما يُبايِتُها ... من حَادِث الدّهر أَو يُباكرُها
تُضحى وتُمسى دَريَّةً غَرَضًا ... حيث استقرّت بها شراشرها
لأَسْهُمِ الدّهرِ وهو يَرشُقَها ... مُحِنطُها مَرَّةً وَباقِرُها
يَا بُؤسَ بَغَدادَ دَار مَملَكَةٍ ... دارتْ على أَهلها دوائرُها
أَمهلها الله ثم عاقَبها ... لمّا أَحاطت بها كبائرُها
بالخسف والقَذف والحريق وبالـ ... ـحربِ التي أَصبحت تساورُها
كم قد رأينا من المعاصي ببغدا ... د فهل ذو الجلال غافرها!
حلَّت ببَغدادَ وهيَ آمنةٌ ... داهية لم تكن تحاذِرُها
طالَعَها السوءُ من مَطَالِعِهِ ... وأَدركت أَهلَها جرائرُها
رَقَّ بها الدينُ واستُخفَّ بذى الـ ... ـفضل وَعَزَّ النُّسَّاكَ فاجرُها
وخَطَّمَ العبدُ أنفَ سَيّدِهِ ... بالرّغْم وَاستُعبِدَت حرائرها
وصار رَبّ الجيران فَاسقَهُم ... وابتزَّ أَمرَ الدُّروب ذَاعُرها
من يَرَ بغدادَ والجنودُ بها ... قد ربَّقَتْ حَوْلَها عَساكُرها
كلُّ طَحونٍ شهباءَ بَاسِلَةٍ ... تسْقِطُ أَحْبالها زَماجِرُها