للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلت له كذب. قال: ثم قلت له: هذا الإزار الذي عليك إزار غليظ فالبس إزاري وقميصي هذا فإنه لين، فقال لي: من كانت حاله مثل حالي فهذا له كثير. قال: فلقنته ذكر الله والاستغفار، فجعل يستغفر. قال: وبينا نحن كذلك، إذ هدة تكاد الأرض ترجف منها، وإذا أصحاب طاهر قد دخلو الدار وأرادوا البيت، وكان في الباب ضيق فدافعهم محمد بمجنة كانت معه في البيت؛ فما وصلوا إليه حتى عرقبوه، ثم هجموا عليه، فحزوا رأسه. واستقبلوا به طاهرًا، وحملوا جثته إلى بستان مؤنسة إلى معسكره؛ إذ أقبل عبد السلام بن العلاء صاحب حرس هرثمة فأذن له - وكان عبر إليه على الجسر الذي كان بالشماسية - فقال له: أخوك يقرئك السلام، فما خبرك؟ قال: يا غلام؛ هات الطس، فجاءوا به وفيه رأس محمد، فقال: هذا خبري فاعلمه. فلما أصبح نصب رأس محمد على باب الأنبار، وخرج من أهل بغداد للنظر إليه ما لا يحصى عددهم، وأقبل طاهر يقول: رأس المخلوع محمد.

وذكر محمد بن عيسى أنه رأى المخلوع على ثوبه قملة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: شيء يكون في ثياب الناس، فقال: أعوذ بالله من زوال النعمة! فقتل من يومه (١).


(١) لقد ذكر الطبري روايات عدة عن كيفية مقتل الأمين وذكر جوانب من حوار الأمين هنا أو هناك متنقلًا بين قصور بغداد وبيوتها أو في أزقة المدينة. وبدء تضييق الحصار على الأمين شيئًا فشيئًا وكثير من الحوار الذي دار في كل مرة لم يحضره إلا الأمين وشخص آخر كما يذكر الطبري والله عليم بنجواهم ولا بد من طريق موصول على الأقل للتأكيد من كل ذلك الحوار ولم يأت الطبري بجل هذه التفاصيل والأخبار إلا من طرق معضلة أو بغير إسناد (ذكر) سوى مقطعين صغيرين كما سنذكر في نهاية تعليقنا هذا إن شاء الله إذ ذكرهما عن المدائني ولحديث المدائني عن الأحداث أهمية كبرى إذ أنه إخباري صدوق عاصر تلك الأحداث. وبالنسبة لبقية أجزاء الخبر فلم نجد أحدًا من المؤرخين المتقدمين الثقات من يؤيد تفاصيلها وإنما ذكروا أجزاءً من الخبر أو خلاصته مختصرة جدًّا وبعيدًا عن هذه المبالغات والتفاصيل الدقيقة التي تذهب بذهن القاريء بعيدًا عن أصل الخبر وماهية الواقعة التأريخية وإليك نصوص هؤلاء الأخباريين والمؤرخين المتقدمين.
قال ابن قتيبة الدينوري: ولم يزل الأمر على محمد مختلًا حتى لجأ إلى مدينة (أبي جعفر) وبعث إلى هرثمة: إني أخرج إليك الليلة، فلما خرج محمد صار في أيدي أصحاب طاهر فأتوا به طاهرا فقتله من ليلته فلما أصبح نصب رأسه على الباب الجديد ثم أنزله وبعث به إلى =

<<  <  ج: ص:  >  >>