وأما أبو حنيفة الدينوري فقد ذكر فيما سبق بداية حصار طاهر وهرثمة لبغداد وأنهما نصبا المنجنيق على داره حتى ضاق الأمين بذلك ذرعًا، ثم قال أبو حنيفة الدينوري: وكان هرثمة بن أعين يحب صلاح حال محمد، والإبقاء على حشاشة نفسه، فأرسل إليه محمد يسأله القيام بأمره، وإصلاح ما بينه وبين المأمون على أن يخلع نفسه عن الخلافة ويسلم الأمر لأخيه. فكتب إليه هرثمة: (قد كان ينبغي لك أن تدعو إلى ذلك قبل تفاقم الأمر فأما الآن فقد بلغ السيل الزبى، وشغل الحليُ أهله أن يعار، ومع ذلك فإني مجتهد في إصلاح أمرك، فصر إليَّ ليلا، لأكتب بصورة أمرك إلى أمير المؤمنين، وآخذ لك عهدًا وثيقًا ولست آلوا جهدًا ولا اجتهادًا في كل ما عاد بصلاح حالك، وقربك إلى أمير المؤمنين). فلما سمع ذلك محمد استشار نصحاءه ووزراءه، فأشاروا بذلك عليه، وطمعوا في بقاء مهجته. فلما جنَّه الليل ركب في جماعة من خاصته وثقاته وجواريه، يريد العبور إلى هرثمة فأحس طاهر بن الحسين بالمراسلة التي جرت بينهما والموافقة التي اتفقا عليها. فلما أقبل محمد، وركب بمن معه الماء شد عليه طاهر، فأخذه ومن معه، ثم دعا به في منزله، فاحتز رأسه، وأنفذه من ساعته إلى المأمون. وأقبل المأمون حتى دخل مدينة السلام، وصفت له المملكة واستوسقت له الأمور. وكان قتل محمد الأمين ليلة الأحد لخمس خلون من المحرم، سنة ثمان وتسعين ومائة، وقتل وله ثمان وعشرون سنة، وكانت ولايته أربع سنين وثمانية أشهر (الأخبار الطوال/ ٤٠٠). وأما خليفة بن خياط فقد قال: وفيها (أي ١٩٨ هـ) قتل المخلوع ليلة الأحد لليلتين بقيتا من المحرم وولي قتله قريش الدنداني ونصب رأسه طاهر بن الحسين ساعة من نهار وبعث برأسه إلى المأمون (تأريخ خليفة/ ٣١٠). وأما المقطعين الذين أشرنا إليهما في بداية تعليقنا فقد رواه الطبري من مرويات المدائني وهو أخباري صدوق عاصر هذه الأحداث المقطع الأول من قوله وقال أبو الحسن المدائني لما هم محمد بالخروج إلى هرثمة .. إلى قوله خمسة وعشرون من أيلول (٤٨١/ ٤٨٢) والمقطع الثاني من قوله في (٨/ ٤٨٣) وأما المدائني فإنه ذكر عن محمد بن عيسى الجلودي إلى قوله في (٨/ ٤٨٤).