معه في المدينة من القواد والجند، فجمعوا في الرحبة، فأشرف عليهم، وقال:
الحمد لله الذي يرفع ويضع، ويعطي ويمنع، ويقبض ويبسط؛ وإليه المصير. أحمده على نوائب الزمان، وخذلان الأعوان، وتشتت الرجال، وذهاب الأموال، وحلول النوائب، وتوفد المصائب؛ حمدًا يدخر لي به أجزل الجزاء، ويرفدني أحسن العزاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كما شهد لنفسه، وشهدت له ملائكته، وأن محمدًا عبده الأمين، ورسوله إلى المسلمين، - صلى الله عليه وسلم -، آمين رب العالمين.
أما بعد يا معشر الأبناء، وأهل السبق إلى الهدى، فقد علمتم غفلتي كانت أيام الفضل بن الربيع وزير عليَّ ومشير، فمادت به الأيام بما لزمني به من الندامة في الخاصة والعامة، إلى أن نبهتموني فانتبهت، واستعنتموني في جميع ما كرهتم من نفسي وفيكم، فبذلت لكم ما حواه ملكي، ونالته مقدرتي، مما جمعته وورثته عن آبائي، فقوَّدت من لم يجز، واستكفيت من لم يكف، واجتهدت - علم الله - في طلب رضاكم بكل ما قدرت عليه، واجتهدتم - علم الله - في مساءتي في كل ما قدرتم عليه؛ من ذلك توجيهي إليكم علي بن عيسى شيخكم وكبيركم وأهل الرأفة بكم والتحنن عليكم فكان منكم ما يطول ذكره؛ فغفرت الذنب، وأحسنت واحتلمت، وعزيت نفسي عند معرفتي بشرود الظفر، وحرصي على مقامكم مسلحة بحلوان مع ابن كبير صاحب دعوتكم، ومن على يدي أبيه كان فخركم، وبه تمت طاعتكم: عبد الله بن حميد بن قحطبة، فصرتم من التألب عليه إلى ما لا طاقة له به، ولا صبر عليه. يقودكم رجل منكم وأنتم عشرون ألفًا، إليَّ عامدين وعلى سيدكم متوثبين مع سعيد الفرد، سامعين له مطيعين. ثم وثبتم مع الحسين عليّ، فخلعتموني وشتمتموني، وانتهبتموني وحبستموني، وقيدتموني؛ وأشياء منعتموني من ذكرها؛ حقد قلوبكم وتلكؤ طاعتكم أكبر وأكثر. فالحمد لله حمد من أسلم لأمره، ورضى بقدره؛ والسلام.
وقيل: لما قتل محمد، وارتفعت الثائرة، وأعطى الأمان الأبيض والأسود، وهدأ الناس، ودخل طاهر المدينة يوم الجمعة، فصلى بالناس، وخطبهم خطبة بليغة، نزع فيها من قوارع القرآن؛ فكان مما حفظ من ذلك أن قال: