للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فارسان وكوهبانيان، فبينا هم ذات يوم نصف النهار؛ إذ خرج بابك وأصحابه؛ فلم يروا أحدًا، ولم يروا الفارسين والكوهبانيين، وظنوا أن ليسَ هناك عسكر؛ فخرج هو وأخواه: عبد الله ومعاوية، وأمه وامرأة لهُ يقال لها ابنة الكَلْنَدانية. فخرجوا من الطريق، وساروا يريدون إرمينيةَ، ونظرَ إليهم الفارسان والكوهبانيان، فوجَّهوا إلى العسكر، وعليه أبو الساج: أنا قد رأينا فرسانًا يمرُّون ولا ندري مَنْ هُم. فركبَ الناسُ، وساروا، فنظروا إليهم من بُعد وقد نزلوا على عين ماء يتغدوَّن عليها؛ فلمَّا نظروا إلى الناسِ بادرَ الكافر فركبَ وركبَ مَنْ كانَ معهُ، فأفلت وأخذ معاوية أمَّ بابك والمرأةَ التي كانت معه، ومع بابك غلام له، فوجَّهَ أبو الساج بمعاوية والمرأتين إلى العسكر ومرَّ بابك متوجِّهًا حتى دخل جبال إرمينية يسير في الجبال متكمِّنًا؛ فاحتاج إلى طعام؛ وكان جميع بطارقة إرمينية قد تحفَّظوا بنواحيهم وأطرافهم، وأوصوا إلى مسالحهم ألا يجتاز عليهم أحد إلا أخذوه حتى يعرفوه؛ فكان أصحاب المسالح كلهم متحفظين؛ وأصاب بابك الجوع، فأشرف فإذا هو بحرَّاثٍ يحرثُ على فدان له في بعض الأودية، فقال لغلامه: انزل إلى هذا الحرَّاث، وخذ معك دنانير ودراهم؛ فان كان معه خبز فخذه وأعطه؛ وكان للحرَّاثِ شريك ذهب لحاجته؛ فنزل الغلامُ إلى الحرَّاث، فنظرَ إليه شريكهُ من بعيد، فوقف بالبعد يفرَق من أن يجيء إلى شريكه وهو ينظر ما يصنع شريكه، فدفعَ الغلام إلى الحرَّاثِ شيئًا، فجاءَ الحراث فأخذ الخبزَ، فدفعهُ إلى الغلام وشريكه قائم ينظر إليه؛ ويظنُّ أنما اغتصبه خبزَه؛ ولم يظن أنَّهُ أعطاهُ شيئًا، فعدا إلى المسلحة؛ فأعلمهم أن رجلًا جاءهم عليه سيف وسلاح؛ وأنهُ أخذ خبز شريكه من الوادي؛ فركب صاحب المسلحة - وكان في جبال ابن سُنباط - ووجَّهَ إلى سهل بن سنباط بالخبر، فركب ابن سنباط وجماعة معهُ حتى جاءه مسرعًا، فوافى الحرَّاث والغلام عنده، فقال له: ما هذا؟ قال لهُ الحراث: هذا رجل مرَّ بي، فطلبَ مني خبزًا فأعطيته، فقال للغلام: وأينَ مولاك؟ قال: ها هنا - وأومئ إليه - فاتبعه فأدركه وهو نازل؛ فلمَّا رأى وجهه عرفه، فترجل له ابن سنباط عن دابته، ودنا منهُ فقبَّلَ يدهُ، ثم قال له: يا سيَّداه؛ إلى أين؟ قال: أريدُ بلاد الروم - أو موضعًا سمَّاه - فقال له: لا تجدُ موضعًا ولا أحدًا أعرف بحقكَ، ولا أحقَّ أَن تكون عنده مني، تعرف موضعي، ليس بيني وبين السلطان عمل؛ ولا تدخل على أحد من أصحاب السلطان وأنت عارف بقضيتي وبلدي؛

<<  <  ج: ص:  >  >>