وكلُّ مَنْ ها هنا من البطارقة إنما هم أهل بيتكَ، قد صار لكَ منهم أولاد؛ وذلكَ أن بابك كان إذا علم أن عند بعض البطارقةِ ابنة أو أختًا جميلة وجه إليها يطلبها، فإن بعث بها إليه وإلا بيَّته وأخذها، وأخذ جميعَ ماله من متاعٍ وغير ذلك، وصار به إلى بلده غصبًا.
ثم قال ابن سنباط له: صرْ عندي في حصني؛ فإنَّما هو منزلك؛ وأنا عبدك، كُنْ فيهِ شتوتَك هذه ثم ترى رأيكَ. وكانَ بابك قد أصابهُ الضرُّ والجهدُ، فركن إلى كلامِ سهل بن سنباط؛ وقال لهُ: ليس يستقيمُ أن أكون أنا وأخي في موضع واحد؛ فلعلهُ أن يُعثَر بأحدنا فيبقى الآخر؛ ولكن أقيم عندكَ أنا، ويتوجَّهُ عبد الله أخي إلى ابن اصطفانوس؛ لا ندري ما يكون؛ وليس لنا خلَفٌ يقوم بدعوتِنا. فقال لهُ ابن سنباط: ولدكَ كثير، قال: ليس فيهم خير. وعزم على أن يصيِّرَ أخاه في حصن ابن اصطفانوس - وكان يثق به - فصار هو مع ابن سنباط في حِصنه، فلما أصبح عبد الله مضى إلى حصن اصطفانوس، وأقامَ بابك عند ابن سنباط، وكتب ابن سنباط إلى الأفشين يعلمهُ أن بابك عندهُ في حصنهِ. فكتبَ إليهِ: إِنْ كانَ هذا صحيحًا فلك عندي وعندَ أمير المؤمنين - أيدهُ الله - الذي تحبُّ؛ وكتب يجزيهِ خيرًا، ووصف الأفشين صفة بابك لرجل من خاصته، ممَّن يثق به، ووجَّهَ به إلى ابن سنباط وكتب إليه يعلمه أنه قد وجه إليهِ برجل من خاصته، يحبُّ أن يرى بابك ليحكي للأفشين ذلك. فكره ابن سنباط أن يُوحشَ بابك، فقال للرجل: ليس يمكن أن تراه إلا في الوقت الذي يكون منكبًا على طعامه يتغدَّى؛ فإذا رأيتنا قد دعونا بالغداء فالبس ثياب الطبَّاخين الذين معنا على هيئة علوِجنا وتعال كأنكَ تقدم الطعام، أو تناول شيئًا؛ فإنهُ يكونُ منكبًا على الطعام، فتفقَّدْ منهُ ما تريد؛ فاذهب فاحكه لصاحبك.
ففعل ذلكَ في وقت الطعام، فرفع بابك رأسه فنظر إليهِ فأنكره، فقال: مَنْ هذا الرجل؟ فقال له ابن سنباط: هذا رجل من أهل خراسان، منقطع إلينا منذ زمن، نصراني. فلقن ابنُ سنباط الأشروسنيَّ ذلك. فقال لهُ بابك: منذ كم أنت ها هنا؟ قال: منذ كذا وكذا سنة، قال: وكيفَ أقمتَ ها هنا؟ قال: تزوَّجتُ ها هنا، قال: صدقت إذا قيل للرجل من أين أنت؟ قال: مِنْ حيث امرأَتي.
ثم رجعَ إلى الأفشين فأخبرهُ، ووصف له جميع ما رأى ثَمَّ من بابك، ووجَّهَ