بأحد من الرُّوم؛ فلما كان بالليل مضى القائد الموكل بالثلمة إلى الرُّومِ، فقال: إنَّ الحربَ عليَّ وعلى أصحابي، ولم يبقَ معي أحدٌ إلَّا قد جُرح؛ فصيِّرُوا أصحابكم على الثلمة يرمون قليلا؛ وإلا افتضحتم وذهبت المدينة. فأبوا أن يمدُّوه بأحد، فقالوا: سلِم السور من ناحيتنا، وليسَ نسألكَ أن تمدَّنا؛ فشأنَك وناحيتَك؛ فليس لك عندنا مدد. فاعتزمَ هُوَ وأصحابهُ أن يخرجوا إلى أميرِ المؤمنين المعتصم ويسألوه الأمان، على الذُّرَّية، ويسلِّموا إليه الحصن بما فيه من الخُرثي والمتاع والسلاح وغير ذلك.
فلما أصبح وكَّلَ أصحابه بجنبي الثلمة؛ وخرج فقال: إني أُريد أمير المؤمنين؛ وأمر أصحابه ألا يحاربوا حتى يعود إليهم؛ فخرج حتى وصل إلى المعتصم؛ فصار بين يديه، والناسُ يتقدمون إلى الثلمة؛ وقد أمسكَ الرُّوم عن الحرب، حتى وصلوا إلى السور والروم يقولون بأيديهم: لا تَحيَوا، وهم يتقدمون، ووندوا بين يدي المعتصم جالس؛ فدعا المعتصم بفرس فحملهُ عليه، وقابل حتى صار الناس معهم على حرف الثلمة، وعبد الوهاب بن علي بين يدي المعتصم، فأومأ إلى الناس بيده: أن ادخلوا، فدخلَ الناس المدينة، فالتفتَ وندوا، وضرب بيدهِ إلى لحيته، فقال له المعتصم: ما لك؟ قال: جئتُ أريدُ أن أسمعَ كلامكَ وتسمعَ كلامي، فغدرتَ بي؛ فقال المعتصم: كلُّ شيء تريدُ أن تقولهُ فهو لك عليَّ، قُل ما شئتَ؛ فإني لست أخالفك. قال: أيشٍ لا تخالفني وقد دخلوا المدينة! فقال المعتصم: اضرب بيدكَ إلى ما شئتَ فهو لك، وقل ما شئتَ فإني أعطيكه. فوقف في مضرب المعتصم. وكان ياطس في برجه الذي هو فيهِ وحولهُ جماعة من الروم مجتمعين، وصارت طائفة منهم إلى كنيسة كبيرة في زاوية عمُّورية؛ فقاتلوا قتالًا شديدًا، فأحرق الناسُ الكنيسة عليهم فاحترقوا عن آخرهم، وبقي ياطس في بُرجهِ حوله أصحابه، وباقي الروم وقد أخذتهم السيوف؛ فبين مقتولٍ ومجروح؛ فركب المعتصم عند ذلكَ حتى جاء فوقف حذاء ياطس، وكان مما يلي عسكر أشناس، فصاحوا: يا ياطس، هذا أمير المؤمنين؛ فصاحَ الرُّوم من فوق البرج: ليس ياطس ها هنا، قالوا: بلى، قولوا لهُ: إنَّ أمير المؤمنين واقف، فقالوا: ليس ياطس ها هنا فمرَّ أميرُ المؤمنين مغضبًا، فلما جاوز صاح الرُّومُ: هذا ياطس، هذا ياطس! فرجع المعتصم إلى