حيال البُرج حتى وقفَ؛ ثم أمر بتلكَ السلاليم التي هُيئت، فحمل سُلَّم منها، فوضعَ علىَ البُرج الذي هو فيه، وصعِدَ عليه الحسن الرُّومي - غلامُ لأبي سعيد محمد بن يوسف - وكلَّمَه ياطس، فقال: هذا أمير المؤمنين، فانزل على حكمه؛ فنزلَ الحسن، فأخبر المعتصم أنه قد رآه وكلَّمه، فقال المعتصم: قل له فلينزل؛ فصعد الحسن ثانية، فخرج ياطس من البُرجِ مُتقلِّدًا سيفًا حتى وقف على البُرج والمعتصم ينظرُ إليه، فخلع سيفهُ من عُنقه، فدفعهُ إلى الحسن، ثم نزل ياطس، فوقف بين يدي المعتصم، فقنَّعه سوطًا، وانصرف المعتصم إلى مَضْربه، وقال: هاتوه، فمشى قليلًا، ثم جاءه رسول المعتصم، أن احملوه، فحملوه، فذُهب به إلى مضرب أمير المؤمنين.
ثم أقبل الناسُ بالأسرى والسَّبي من كلِّ وجه حتى امتلأَ العسكر؛ فأمر المعتصم بسَيل الترجمان أن يميز الأسرى، فيعزل منهم أهل الشرف والقدر من الروم في ناحية، ويعزل الباقين في ناحية؛ ففعل ذلكَ بسيل، ثم أمر المعتصم فوكّل بالمقاسم قوَّادهُ، ووكل أشناس بما يخرج من ناحيته، وأمره أن ينادي عليه، ووكَّلَ الأفشينُ بما يخرج من ناحيته، وأمره أن ينادي عليه، ووكل الأفشين بما يخرج من ناحيته وأمره أن ينادي ويبيع، وأمر إيتاخ بناحيته مثل ذلك، وجعفرًا الخياط بمثل ذلك في ناحيته ووكَّل مع كَّل قائد من هؤلاء رجلًا من قِبَل أحمد بن أبي دواد يحصِي عليهِ، فبيعت المقاسم في خمسة أيامٍ، بيعَ منها ما استباع، وأمر بالباقي فضُرِبَ بالنار، وارتحل المعتصم منصرفًا إلى أرض طَرسُوس.
ولما كان يوم إيتاخ قبل أن يرتحل المعتصم منصرفًا، وثب الناس على المغنم الذي كانَ إيتاخ على بيعهِ، وهو اليومُ الذي كان عُجيفُ وعدَ الناسَ فيه أن يثب بالمعتصم، فركب المعتصم بنفسه ركضًا، وسلَّ سيفه، فتنحَّى الناس عنه من بين يديه، وكَفُّوا عن انتهاب المغنم، فرجع إلى مضربهِ؛ فلما كان من الغد أمر ألا ينادى على السَّبي إلا ثلاثة أصوات، ليتروَّجَ البيع؛ فمن زاد بعد ثلاثة أصوات، وإلَّا بيع العلق؛ فكانَ يفعل ذلكَ في اليوم الخامس؛ فكان ينادي على الرقيق خمسة خمسة، وعشرة عشرة، والمتاعُ الكثير جملة واحدة.
قال: وكان ملك الرومِ قد وجَّهَ رسولًا في أول ما نزل المعتصم على عَمُّورية