الانكماش والتشمير، فإنا قد رجونا أن يكون في ذلك مشغلة لهم عن الأراجيف، ومانع عن التسويف، فقد أشاعوا في هذه الأيام أن أمير المؤمنين أكرمه الله صائر إلى قَرْماسين، وموجه الأفشين إلى الرّيّ، ولعمري لئن فعل أيده الله ذلك، إنه لمّا يسرّنا الله به، ويؤنسنا بجواره، ويبسط الأمل فيما قد عُوّدنا من فوائده وإفضاله، ويكبت أعداءه وأعداءنا، ولن يهمل أكرمه الله أموره، ويرفض ثغوره، والتصرف في نواحي ملكه، لأراجيف مُرجف بعماله، وقول قائل في خاصّته، فإنه لا يسرب أكرمه الله جنده إذا سرّب، ولا يندب قواده إذا ندب، إلا إلى المخالف، فاقرأ كتابنا هذا على من بحضرتك من أهل الخراج؛ ليبلِّغ شاهدُهم غائبهم؛ وعنف عليهم في استخراجه، ومَنْ همّ بكسره. فليُبْد بذلك صفحته، لينزل الله به ما أنزل بأمثاله؛ فإن لهم أسوةً في الوظائف وغيرها بأهل جرجان والرّيّ وما والاهما، فإنما خفف الخلفاء عنهم خراجهم، ورُفعت الرفائع عنهم للحاجة التي كانت إليهم في محاربة أهل الجبال ومغازي الديلم الضّلّال، وقد كفى الله أمير المؤمنين أعزّه الله ذلك كله، وجعل أهل الجبال والديلم جندًا وأعوانًا، والله المحمود.
قال: فلما ورد كتاب المازيار على شاذان بن الفضل عامله على الخراج، أخذ الناس بالخراج، فجبى جميع الخراج في شهرين، وكان يُجبَى في اثني عشر شهرًا، في كل أربعة أشهر الثلث، وإنّ رجلًا يقال له عليّ بن يَزْداد العطار؛ وهو ممن أخذ منه رهينة، هرب وخرج من عمل المازيار، فأخبر أبو صالح سرخاستان بذلك؛ وكان خليفة المازيار على ساريَة، فجمع وجوه أهل مدينة سارية، وأقبل يوبّخهم، ويقول: كيف يطمئنّ الملك إليكم! أم كيف يثق بكم! وهذا عليّ بن يزداد ممن قد حلف وبايع، وأعطى الرهينة ثم نكث وخرج، وترك رهينته؛ فأنتم لا تفون بيمين، ولا تكرهون الخُلْف والحِنْث، فكيف يثق بكم الملك؟ أم كيف يرجع لكم إلى ما تحبون! فقال بعضهم: نقتُل الرهينة حتى لا يعود غيره إلى الهرب، فقال لهم: أتفعلون ذلك؟ قالوا: نعم؛ فكتب إلى صاحب الرهائن، فأمره أن يوجه بالحسن بن علي بن يزداد وهو رهينة أبيه، فلمّا صاروا به إلى سارية ندم الناس على ما قالوا لأبي صالح، وجعلوا يرجعون على الذي أشار بقتله بالتعنيف. ثم جمعهم سرخاستان، وقد أحضر الرَّهينة، فقال لهم: إنكم قد