ثم انصرفت الرسل على ضمان موسى الزاهد، وأعلموا المازيار ضمانه، وانضم إلى موسى الزاهد قومٌ من السعاة، فقالوا: فلان يحتمل عشرة آلاف، وفلان يحتمل عشرين ألفًا وأقل وأكثر، وجعلوا يستأكلون الناس أهل الخراج وغيرهم؛ فلما مضى لذلك أيام، ردّ مازيار الزُسل مقتضيًا المال، ومتنجزًا ما كان من ضمان موسى الزاهد، فلم يرَ لذلك أثرًا ولا تحقيقًا، وتحقق قول أحمد، وألزمه الذنْب. وعلم المازيار أن ليس عند القوم ما يؤدون، وإنما أراد أن يلقى الشر بين أصحاب الخراج، ومن لا خراج عليه من التجار والصناع.
قال: ثم إن سرخاستان كان معه ممَّن اختار من أبناء القوّاد وغيرهم من أهل آمُل فِتيانٌ لهم جلّد وشجاعة، فجمع منهم في داره مائتين وستين فتىً ممَّن يخاف ناحيته، وأظهر أنه يريد جمعهم للمناظرة، وبعث إلى الأكرة المختارين من الدَّهاقين، فقال لهم: إنّ الأبناء هواهم مع العرب والمسؤدة؛ ولست آمَنُ غدرَهم ومكرهم؛ وقد جمعت أهل الظِّنَّة ممن أخاف ناحيتَه، فاقتلوهم لتأمنوا، ولا يكون في عسكركم ممن يخالف هواه هواكم. ثم أمر بكتفهم ودفْعهم إلى الأكرة ليلا، فدفعوهم إليهم، وصاروا بهم إلى قناة هناك، فقتلوهم ورَمَوا بهم في آبار تلك القناة وانصرفوا. فلما ثاب إلى الأكرة عقولُهم ندموا على فعلهم، وفزعوا من ذلك؛ فلما علم المازيار أن القوم وليس عندهم ما يؤدونه إليه، بعث الأكرة المختارين الذين قتلوا المائتين والستين فتًى، فقال لهم: إني قد أبحتكم منازل أرباب الضياع وحرمهم - إلا ما كان من جارية جميلة من بناتهم؛ فإنها تصير للملك - وقال لهم: صيروا إلى الحبس فاقتلوا أرباب الضياع جميعهم قبل ذلك، ثم حُوزوا بعد ذلك، ما وهبتُ لكم من المنازل والحرم، فجبُن القوم عن ذلك وخافوا وحذروا فلم يفعلوا ما أمرهم به.
قال: وكان الموكلون بالسّور من أصحاب سرخاستان يتحدثون ليلا مع حرس الحسن بن الحسين بن مصعب، وبينهم عُرْض الخندق، حتى استأنس بعضُهم ببعض، وتآمروا وحرس سرخاستان بتسليم السور إليهم، فسلموه، ودخل أصحابُ الحسن بن الحسين من ذلك الموضع إلى عسكر سرخاستان في غفلة من الحسن بن الحسين ومن سرخاستان، فنظر أصحاب الحسن إلى قوم يدخلون من