يا سيديَّ، نصر والله يأكلني، فكيف ما يوضع بين أيدينا! فقال: كُلوا بحياتي؛ فأكلنا ثم علَّقنا أيدينا بحذائِه. قال: فالتفت أميرُ المؤمنين التفاتةً، فنظر إلينا معلَّقي الأيدي، فقال: ما لكم لا تأكلون؛ قلت: يا سيدي، قد نفذ ما بين أيدينا؛ فأمر أن يُزاد، فغُرِف لنا من بين يديه.
قال ابن الحفصيِّ: ولم يكن أميرُ المؤمنين في يوم من الأيام أسرَّ منه في ذلك اليوم. قال: وأخذ مجلَسه، ودعا بالندماء والمغنِّين فحضروا، وأهدت إليه قَبيحة أمّ المعتز مطرف خزَّ أخضر؛ لم ير الناس مثله حسنًا، فنظر إليه فأطال النظر، فاستحسنه وكثر تعجّبه منه، وأمر به فقطع نصفين، وأمر بردِه عليها، ثم قال لرسولها: أذكَرَتْنِي به، ثم قال: والله إنَّ نفسي لتحدِّثني أني لا ألبسه وما أحب أن يلبسه أحد بعدي وإنما أمرت بشقة لئلا يلبسه أحد بعدي، فقلنا له: يا سيدنا، هذا يوم سرور يا أمير المؤمنين نعيذك بالله أن تقول هذا يا سيدنا، قال: وأخذ في الشراب واللهو، ولهج بأن يقول: أنا والله مفارقكم عن قليل، قال: فلم يزل في لهوه وسروره إلى الليل.
وذكر بعضهم أنَّ المتوكل عزم هو والفتح أن يصيّرا غداءهما عند عبد الله بن عمر البازيار يوم الخميس لخمس ليال خلوْن من شوال، على أن يفتك بالمنتصر، ويقتل وصيفًا وبُغا وغيرهما من قُوَّاد الأتراك ووجوههم، فكثر عبُثه يوم الثلاثاء قبل ذلك بيوم - فيما ذكر ابن الحفصيّ - بابنه المنتصر، ومرة يشتمه، ومرة يسقيه فوق طاقته، ومرة يأمره بصفعه ومرَّةً يتهدَّده بالقتل.
فذكر عن هارون بن محمد بن سليمان الهاشمي أنه قال: حدِّثني بعض من كان في الستارة من النساء، أنه التفت إلى الفتح، فقال له: برئت من الله ومن قرابتي من رسول الله - صلي الله عليه وسلم - إن لم تلطِمْه - يعني المنتصر - فقام الفتح ولطَمه مرَّتين، يمرَّ يده على قفاه، ثم قال المتوكِّل لمن حضر: اشهدوا جميعًا أني قد خلعتُ المستعجل - المنتصر - ثم الْتفت إليه، فقال: سمَّيتُك المنتصر، فسماك الناس لحمقك المنتظر، ثم صرت الآن المستعجل، فقال المنتصر: يا أميرَ المؤمنين، لو أمرتَ بضرب عنقي كان أسهلَ عليَّ مما تفعله بي، فقال: اسقوه، ثم أمر بالعشاء فأحضر وذلك في جوف الليل، فخرج المنتصر من عنده، وأمر بُنانًا غلام