جاوز السبعة ألَّا أترك في المجلس أحدًا، وقد شُرِّبَ أربعة عشر رطلًا، فكره الفتح قيامَهم، فقال له بغا: إن حُرَم أمير المؤمنين خلْف الستارة، وقد سكر، فقوموا واخرجوا، فخرجوا جميعًا، فلم يبق إلا الفتح وعثعث وأربعة من خدَم الخاصَّة؛ منهم شفيع وفرج الصَّغير ومؤنس وأبو عيسى مارد المحْرِزيَّ. قال: وضع الطباخ المائدة بين يدي المتوكل، فجعل يأكل ويلقم، ويقول لمارد: كلْ معي حتى أكل بعض طعامه وهو سكران، ثم شرب أيضًا بعد ذلك.
فذكر عثعث أن أبا أحمد بن المتوكل أخا المؤيد لأمه - كان معهم في المجلس، فقام إلى الخلاء، وقد كان بُغا الشرابيَّ أغلق الأبواب كلها غير باب الشطّ، ومنه دخل القوم الذين عُيِّنُوا لقتْله، فبصُربهم أبو أحمد، فصاح بهم ما هذا يا سفل! وإذا بسيوف مسلَّلة، قال: وقد كان تقدَّم النفرَ الذين تولوا قتله بغلون التركيَّ وباغر وموسى بن بغا وهارون بن صوارتكين وبغا الشرابيَّ؛ فلمَّا سمع المتوكل صوتَ أبي أحمد رفع رأسه، فرأى القوم، فقال: يا بغا، ما هذا؟ قال: هؤلاء رجال النوبة التي تبيت على باب سيّدي أمير المؤمنين، فرجع القوم إلى ورائهم عند كلام المتوكل لبُغا، ولم يكن واجن وأصحابه وولد وصيف حضروا معهم بعد. قال عثعث: فسمعت بُغا يقول لهم: يا سفل، أنتم مقتولون لا محالة، فموتوا كرامًا؛ فرجع القوم إلى المجلس، فابتدره بغلون فضربه ضرْبَةً على كَتِفه وأذنه فقدَّه، فقال: مهلا قطع الله يدك! ثم قام وأراد الوثوب به، فاستقبله بيده فأبانها، وشركه باغر، فقال الفتح: ويلكم، أمير المؤمنين! فقال بغا: يا حَلَقيَّ، لا تَسْكُتُ! فرمى الفتح بنفسه على المتوكل، فبعجه هارون بسيفه، فصاح: الموت! واعتوره هارون وموسى بن بُغا بأسيافهما، فقتلاه وقطعاه، وأصابت عثعثُ ضربة في رأسه. وكان مع المتوكل خادم صغير، فدخل تحت الستارة، فنجا، وتهارب الباقون. قال: وقد كانوا قالوا لوصيف في وقت ما جاءوا إليه: كن معنا فإنا نتخوَّف ألَّا يتم ما نريد فنقتَل، فقال: لا بأس عليكم، فقالوا له: فأرسل معنا بعضَ ولدك، فأرسل معه خمسة من ولده: صالحًا، وأحمد، وعبد الله، ونصرًا، وعبيد الله؛ حتى صاروا إلى ما أرادوا.
وذكر عن زُرْقان خليفة زرافة على البوابين وغيرهم أنَّ المنتصر لما أخذ بيد زرافة فأخرجه من الدَّار ودخل القوم، نظر إليهم عثعث، فقال للمتوكل: قد