فرغنا من الأسد والحيات والعقارب، وصرنا إلى السيوف؛ وذلك أنه كان ربما أشلى الحيَّة والعقرب أو الأسد؛ فلما ذكر عثعث السيوف، قال له: ويلك! أي شيء تقول؟ فما استتم كلامه حتى دخلوا عليه، فقام الفتح في وجوههم، فقال لهم: يا كلاب؛ وراءكم وراءكم! فبدر إليه بُغا الشرابيَّ، فبعج بطنه بالسَّيف، وبدر الباقون إلى المتوكل، وهرب عثعث على وجهه. وكان أبو أحمد في حُجْرته، فلما سمع الضجة خرج فوقع على أبيه، فبادره بغلون فضربه ضربتين؛ فلما رأى السيوف تأخذه خرج وتركهم، وخرج القوم إلى المنتصر، فسلَّمُوا عليه بالخلافة، وقالوا: مات أمير المؤمنين، وقاموا على رأس زرافة بالسيوف، فقالوا له: بايع، فبايعه. وأرسل المنتصر إلى وصيف: إنَّ الفتح قتل أبي، فقتُلته، فاحضر في وجوه أصحابك. فحضر وصيف وأصحابه فبايعوا. قال: وكان عبيد الله بن يحيى في حُجرته لا يعلم بشيء من أمر القوم ينفذ الأمور.
وقد ذكر أن امرأة من نساء الأتراك ألقت رقعة تخبر ما عزم عليه القوم، فوصلت الرُّقعة إلى عبيد الله، فشاور الفتحَ فيها؛ وكان ذلك وقع إلى أبي نوح عيسى بن إبراهيم كاتب الفتح بن خاقان، فأنهاه إلى الفتح، فاتفق رأيهُم على كتمان المتوكل لما رأوا من سروره؛ فكرهوا أن ينغِّصوا عليه يومه؛ وهان عليهم أمرُ القوم، ووثقوا بأنَّ ذلك لا يخسر عليه أحد ولا يقدر.
فذُكر أنَّ أبا نوح احتال في الهرب من ليلته، وعبيد الله جالس في عمله ينفذ الأمور، وبين يديه جعفر بن حامد، إذْ طلَع عليه بعض الخدم، فقال: يا سيديَ، ما يجلسك؟ قال: وما ذاك! قال: الدار سيف واحد، فأمر جعفرًا بالخروج؛ فخرج وعاد؛ فأخبره أنَّ أمير المؤمنين والفتح قد قتلا، فخرج فيمن معه من خدمه وخاصِّته، فأخبر أنَّ الأبواب مغلقة، فأخذ نحو الشطِّ، فإذا أبوابه أيضًا مغلَقة، فأمر بكسر ما كان مما يلي الشطُ، فكسرت ثلاثة أبواب حتى خرج إلى الشطِّ، فصار إلى زورق، فقعد فيه ومعه جعفر بن حامد، وغلام له، فصار إلى منزل المعتز، فسأل عنه فلم يصادفه؛ فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! قتلني وقتل نفسه، وتلهَّف عليه، واجتمع إلى عبيد الله أصحابُه غداة يوم الأربعاء من الأبناء والعجم والأرمن والزِّواقيل والأعراب والصَّعاليك وغيرهم [وقد اختلف في عدَّتهم]، فقال بعضهم: كانوا زهاء عشرين ألف فارس وقال آخرون: كان