وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، فمن الحقّ على خلفاء الله الذين حباهم بعظيم نعمته، واختضهم بأعلى رتب كرامته، واستحفظهم فيما جعله وسيلة إلى رحْمته، وسببًا لرضاه ومثوبته لأن يؤثروا طاعته في كلّ حال تصرّفتْ بهم، ويقيموا حقه في أنفسهم والأقرب فالأقرب منهم، وأن يكون محلّهم من الاجتهاد في كلّ ما قرب من الله عز وجل حسب موقِعهم من الدّين وولاية أمر المسلمين، وأميرُ المؤمنين يسأل الله مسألةً رغبةً إليه، وتذللًا لعظمته أن يتولَّاه فيما استرعاه ولاية يجمع له بها صلاح ما قلّده، ويجمل عنه أعباء ما حمَّله، ويعينه بتوفيقه على طاعته؛ إنه سميع قريب.
وقد علمتَ ما حضرتَ من رفْع أبي عبد الله وإبراهيم ابني أمير المؤمنين المتوكّل على الله رضي الله عنه إلى أمير المؤمنين رقعتيْن بخطوطهما؛ يذكران فيهما ما عرّفهما الله من عطف أمير المؤمنين عليهما، ورأفته بهما، وجميل نظره لهما؛ وما كان أمير المؤمنين المتوكل على الله عَقَده لأبي عبد الله من ولاية عهد أمير المؤمنين ولإبراهيم من ولاية العهد بعد أبي عبد الله، وإنّ ذلك العقد كان وأبو عبد الله طفل لم يبلغ ثلاث سنين، ولم يفهم ما عُقِد له ولا وقف على ما قُلّده، وإبراهيم صغير لم يبلغ الحُلم، ولم تجر أحكامهما ولا جرتْ أحكامُ الإسلام عليهما، وإنه قد يجب عليهما إذ بلغا ووقفا على عَجْزهما عن القيام بما عقد لهما من العَهْد، وأسْنِدَ إليهما من الأعمال أن يَنْصحا لله ولجماعة المسلمين، بأن يُخرجا من هذا الأمر الذي عقِد لهما أنفسهما، ويعتزلا الأعمال التي قُلداها، ويجعلا كلّ مَنْ في عنقه لهما بَيْعة وعليه يمين في حلّ؛ إذ كانا لا يقومان بما رُشِّحا له، ولا يصلحان لتقلده، وأن يخرج من كان ضُمّ إليهما ممّن في نواحيهما من قُوّاد أمير المؤمنين ومواليه وغلمانه وجنده وشاكريتِه وجميع مَنْ مع أولئك القواد بالحضْرة وخُراسان وسائر النواحي عن رسومهما، ويُزال عنهم جميعًا ذكر الضمّ إليهما، وأن يكونا سُوقة من سوقة المسلمين وعامّتهم، ويصفان ما لم يزالا يذكران لأمير المؤمنين من ذلك؛ ويسألانه فيه، منذ أفضى الله بخلافته، وأنهما قد خلعا أنفسهما من ولاية العهد، وخرجا منها، وجعلا كلَّ من لهما عليه بيعة ويمين من قُوّاد أمير المؤمنين وجميع أوليائه ورعيّته؛ قريبهم وبعيدهم وحاضرهم وغائبهم في حلّ وسعة من بيعتهم. وأيْمانهم؛ ليخلعوهما كما خلعا أنفسهما.