للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونيّة لا يلحقها تقصير؛ ومعهما العباس بن قارن مولى أمير المؤمنين.

فلما وافى الشاه فيمَنْ معه أعداء الله، وكّل بالمواضع التي يتخوف منها مدخل الكُمناء، ثم حمل مَنْ توجّه معه من القواد المسمَّينِ ماضين لا يغويهم الوعيد، ولا يشكُّون من الله في النصر والتأييد، فوضعوا أسيافهم فيهم، تمضي أحكام الله عليهم؛ حتى ألحقوهم بالمعسكر الذي كانوا عسكروا فيه وجاوزوه، وسلبوهم كل ما كان من سلاح وكُراع وعتاد الحرب؛ فمن قتيل غُودرت جثّته بمصرعه، ونقلت هامته إلى مصيرٍ فيه معتبَو لغيره، ومن لاجئ من السيف إلى الغَرقَ لم يجرْه الله من حذاره، من أسير مصفود يُقاد إلى دار أولياء الله وحزبه، ومن هاربٍ بحشاشة نفسه، قد أسكن الله الخوف قلبه؛ فكانت النقمة بحمد الله واقعة بالفريقين ممن وافى الجانب الغربيّ قادمًا، ومن عبر إليهم من الجانب الشرقيّ مُنجدًا، لم ينْجُ منهم ناجٍ، ولم يعتصم منهم بالتوبة معتصم، ولا أقبل إلى الله مقبل؛ فرقًا أربعًا يجمعها النار، ويشملها عاجل النكال، عظةً ومعتبرًا لأولي الأبصار؛ فكانوا كما قال الله عز وجل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ}.

ولم تزل الحرب بين الأولياء وبين الفرقة التي كانت في الجانب الشرقيّ والقتل محتفل في أعلامهم، والجراح فاشية فيهم؛ حتى إذا عاينوا ما أنزل الله بأشياعهم من البَوار، وأحلَّ بهم من النقمة والاستئصال؛ ما لهم من الله من عاصم، ولا من أوليائه ملجأ ولا موئل؛ ولَّوْا منهزمين مفلولين منكوبين، قد أراهم الله العبَر في إخوانهم الغاوية، وطوائفهم المضلَّة؛ وضلّ ما كان في أنفسهم لما رأوْا من نصر الله لجنده، وإعزازه لأوليائه؛ والحمد لله ربّ العالمين قامع الغواة الناكبين عن دينه، والبغاة الناقضين لعهده، والمرّاق الخارجين من جملة أهل حقّه؛ حمدًا مبلغًا رضاه، وموجبًا أفضل مزيده؛ وصلى الله أولًا وآخرًا على محمد عبده ورسوله، الهادي إلى سبيله، والدّاعي إليه بإذنه، وسلم تسليمًا. وكتب سعيد بن حُميد يوم السبت لسبع خلون من صفر سنة إحدى وخمسين ومئتين.

وركب محمد بن عبد الله بن طاهر يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر إلى باب الشمّاسية، وأمر بهدم ما وراء سُور بغداد من الدور والحوانيت

<<  <  ج: ص:  >  >>