كانت به الآفاقُ تضحَكُ بهجَةً ... وَهو الربيعُ لمن أَراد ربيعَا
لا تُنكِري حَدثَ الزمانِ وريْبَه ... إنّ الزمانَ يُفرِّقُ المجمُوعا
لَبِسَ الخلافةَ واستجدَّ محبّةً ... يقضي أُمورَ المسلمينَ جميعا
فجنَتْ عليه يدُ الزمانِ بَصرفِه ... حَرْبًا وكانَ عن الحُروب شَسُوعا
وتجانفَ الأتراك عنه تمرُّدًا ... أضْحَى وكان ولا يُرَاعُ مروعا
فنَزا بهم، فَنَزوْا به وتَعاورتْ ... أيْدِي الكماةِ من الرؤوس نجيعا
فأزَاله المقدارُ عن رُتَبِ العلا ... فثَوَى بِواسطَ لا يُحِسُّ رُجوعا
غَدَرُوا به، مكروا به، خانوا به ... لزِمَ الفراشَ وحالَفَ التَّضجيعا
وتكنَفُوا بغدادَ من أَقطارِها ... قد ذلَّلوا ماكان قبلُ مَنِيعا
ولو أنه سعَرَ الحروبَ بنفسِه ... متلبِّبًا للقائهنَّ دُروعَا
حتى يُصادِمَ بالكماة كماتهُ ... فيكون من قَصدَ الحروبَ صَريعا
لَغَدَا على رَيْب الزمان مُحرَّمًا ... ولكانَ إِذ غَدَرَ اللئامُ مَنِيعا
لكنْ عصى رأيَ الشفيق وعذْلَهُ ... وغَدا لأمر الناكثينَ مُطِيعَا
والمُلكُ ليس بمالكٍ سلطانَه ... مَنْ كان للرأيِ السَّديد مضيعا
ما زالَ يَخْدَعُ نفسَه عن نفسِه ... حتى غَدا عن ملكه مخدُوعا
باع ابنُ طاهر دينَه عن بيعةٍ ... أمسى بها مُلكُ الإِمام مَنيعا
خلعَ الخلافة والرعيّةَ فاغتدى ... من دينِ ربِّ محمدٍ مخلوعا
فلْيَجْرَعنَّ بذاك كأسًا مُرَّةً ... وليُلفيَنَّ لتابعيه تبيعا
وقال محمد بن مروان بن أبي الجَنوب بن مروان حين خلع المستعين، وصار إلى واسط:
إنَّ الأُمورَ إلى المعتز قد رَجَعَتْ ... والمُستعان إلى حالاتِهِ رَجَعَا
وكان يَعلمُ أنَ المُلكَ ليس له ... وأَنّه لَك لكنْ نفسَه خدعَا
ومالكُ المُلكِ مؤتيهِ ونازعُه ... آتاك مُلكًا ومنه الملك قد نَزَعا
إنَّ الخلافةَ كانت لا تُلَائِمُهُ ... كانت كَذَاتِ حليل زُوّجَتْ مُتَعَا
ما كان أقبحَ عند الناسٍ بيعتَه ... وكان أحسَنَ قَوْلَ الناسِ قد خلِعا
ليتَ السَّفِينَ إلى قافٍ دفعْنَ به ... نفسي الفِداءُ لملَّاحٍ به دَفَعا
كم ساسَ قبلكَ أمرَ الناس من ملك ... لو كان حُمّلَ ما حُمَّلتَه ظَلَعا