فوجّه محمد بن سلْم وعليّ بن أبان ومشرقًا غلام يحيى في خلق كثير، وجاء هو يسايرهم؛ ومعه السفن التي فيها الدوابّ المحمولة ونساء الغلمان حتى أقام بقنطرة نهر كثير.
قال ريحان: فأتيته وقد رُميت بحجر، فأصاب ساقي، فسألني عن الخبر فأخبرته أنّ الحرب قائمة، فأمرني بالرّجوع، وأقبل معي حتى أشرف على نهر السيابجة، ثم قال في: امض إلى أصحابنا، فقل لهم يستأخروا عنهم، فقلت له: ابعد عن هذا الموضع فإني لست آمنُ عليك الخَول، فتنحّى، ومضيت فأخبرت القوّاد بما أمر به، فتراجعوا، وأكبّ أهل البصرة عليهم، وكانت هزيمة، وذلك عند العصر، ووقع الناس في النهرين: نهر كثير ونهر شَيْطان، فجعل يهتف بهم ويردّهم فلا يرجعون، وغرق جماعة من أصحابه في نهر كثير، وقتِل منهم جماعة على شطّ النهر وفي الشاذانيّ؛ فكان ممن غرق يومئذ من قوّاده أبو الجون ومبارك البحرانيّ وعطاء البربريّ وسلام الشأميّ، ولحقه غلام أبي شيث وحارث القَيْسيّ وسُحيل، فعَلَوا القنطرة، فرجع إليهم وانهزموا عنه حتى صاروا إلى الأرض، وهو يومئذ في دُرّاعة وعمامة ونعل وسيف، وتُرسه في يده؛ ونزل عن القنطرة وصعدها البصريون يطلبونه، فرجع فقتل منهم بيده رجلًا على خمس مراق من القنطرة، وجعل يهتف بأصحابه ويعرّفهم مكانه، ولم يكن بقي معه في ذلك الموضع من أصحابه إلا أبو الشّوْك ومصلح ورفيق غلام يحيى.
قال ريحان: فكنت معه فرجع؛ حتى صار إلى المعلّى، فنزل في غربيّ نهر شيطان.
قال محمد بن الحسن: فسمعتُ صاحب الزَّنج يحدّث، قال: لقد رأيتُني في بعض نهار هذا اليوم؛ وقد ضللت عن أصحابي، وضلّوا عني، فلم يبق معي إلا مصلح ورفيق، وفي رِجْلي نعل سنديّ، وعليّ عمامة قد انحلّ كُور منها فأنا أسحبها من ورائي، ويعجلني المشيّ عن رفعها، ومعي سيفي وتُرسِي، وأسرع مصلح ورفيق في المشي وقصّرتُ، فغابا عني، ورأيت في أثري رجلين من أهل البصرة؛ في يد أحدهما سيف، وفي يد الآخر حجارة، فلما رأياني عَرَفاني، فجدّا في طلبي، فرجعت إليهما فانصرفا عني، ومضيتُ حتى خرجت إلى