خرجوا وأخرجوا صالح بن وصيف، فسألنا عن الخبر، فإذا الغلام قد دخل دارا في الزّقاق يطلب ماءً ليشربه، قال: فسمع قائلًا يقول بالفارسية: أيها الأمير تنحّ، فإن غلامًا قد جاء يطلب ماء؛ فسمع الغلام ذلك، وكان بينه وبين هذا العيّار معرفة، فجاء فأخبره فجمع العيّار ثلاثة أناسيّ، وهجم عليه فأخرجه.
وذكر عن العيّار الذي هجم عليه، أنه قال: قال لي الغلام ما قال، فأقبلت ومعي ثلاثة نفر، فإذا بصالح بن وصيف بيده مرآة ومُشط، وهو يسرّح لحيته، فلما رآني بادر فدخل بيتًا، فخفت أن يكون قصد لأخذ سيف أو سلاح، فتلوّمت ثم نظرت إليه؛ فإذا هو قد لجأ إلى زاوية، فدخلت إليه فاستخرجتُه فلم يزدني على التضرّع شيئًا، قال: فلما تضرّع إليّ قلت: ليس إلى تركك سبيل؛ ولكني أمرّ بك على أبواب إخوتك وأصحابك وقوّادك وصنائعك؛ فإن اعترض في منهم اثنان أطلقتُك في أيديهم، قال: فأخرجته فما لقيت إلا مَنْ هو عوني على مكروهه.
فذكر أنه لما أخذ مضى به نحو ميلين، ليس معه إلا أقلّ من خمسة نفر من أصحاب السلطان، وذكر أنه أخذ حين أخِذ، وعليه قميص ومبطّنة ملحم وسراويل، وليس على رأسه شيء وهو حاف.
وقيل إنه حمل على بِرْذون صِنابيّ والعامة تعدو خلفَه وخمسة من الخاصّة يمنعون منه؛ حتى انتهوْا به إلى دار موسى بن بُغا؛ فلما صاروا به إلى دار موسى بن بغا أتاه بايكباك ومُفْلح وياجور وساتكين وغيرهم من القوّاد، ثمّ أخرجوه من باب الحيْر الذي يلي قِبْلة المسجد الجامع؛ ليذهبوا به إلى الجوسق، وهو على بغل بإكاف، فلمّا صاروا به إلى حدّ المنارة، ضربه رجل من أصحاب مفلح ضربة من ورائه على عاتقه كاد يقِذهُ منها، ثم احتزُّوا رأسه وتركوا جيفته هناك، وصاروا به إلى المهتدي؛ فوافوْا به قبيل المغرب وهو في بِرْكة قباء رجل من غلمان مفلح يقطر دمًا، فوصلوا به إليه، وقد قام لصلاة المغرب، فلم يره، فأخرجوه ليُصلَح، فلما قضى المهتدي صلاته، وخبّروه أنهم قتلوا صالحًا، وجاؤوا برأسه لم يزدهم على أن قال: وارُوه؛ وأخذ في تسبيحه، ووصل الخبر إلى منزله، فارتفعت الواعية وباتوا ليلتهم.
فلما كان يوم الإثنين لسبع بقين من صفر حُمل رأس صالح بن وصيف على قناة، وطِيف به، ونودي عليه: هذا جزاء مَنْ قتَل مولاه، ونصِب بباب العامة