بايكباك قد وعد موسى أن يفتك بك في الجوسق، فأخذ المهتدي بايكباك، وأمر بنزع سلاحه وحبسه، فحُبس يوم السبت إلى وقت العصر، ثم خرج أهل الكرخ وأهل الدّور يطلبونه، وانصرفوا وبكّروا يوم الأحد، فلم يتخلفْ منهم أحد إلا حضر راكبًا وراجلًا في السلاح، فلما صاروا إلى الجوْسق، صلّى المهتدي الظهر، وخرج إليهم في الفراغنة والمغاربة، فتطارد لهم الأتراك، فحملوا عليهم، فلمّا تَبِعوهم خرج كمين لهم، فقتل من الفراغنة والمغاربة جماعةً كبيرة، وهرب المهتدي، ومرّ على باب أبي الوزير وغلام له يصيح: يا معشرَ الناس، هذا خليفتكم؛ وتراكض الأتراكُ خلْفه، فدخل دار أحمد بن جميل، وتسلق المهتدي من دار إلى دار، وأحدق الأتراك بتلك الناحية كلها، فأخرجوه من دار غلام لعبد الله بن عمر البازيار، وحملوه وبه طعنةٌ في خاصرته على برْذون أعجف، في قميص وسراويل، وانتهبوا دار الكرخيّ ودور بني ثَوَابة وجماعة من الناس؛ فلمّا كان يوم الإثنين حمل أحمد بن المتوكل المعروف بابن فتيان إلى دار يارْجوخ، والأتراك يدورون في الشوارع، ويحمَدون العامة إذ لم يتعرّضوا لهم.
وقال آخرون: بل كان السبب في ذلك؛ أنّ أهل دور سامرّا والكرخ تحرّكوا في يوم الإثنين لليلة خلتْ من رجب من هذه السنة، واجتمعوا بالكرْخ وفوقها، فوجّه المهتدي إليهم كيغلَغ وطبايغو بن صول أرتكين وعبد الله أخا نفسه، فلم يزالوا بهم حتى سكنوا ورجعوا إلى الدار، وبلغ أبا نصر محمد بن بغا الكبير أنّ المهتدي قد تكلّم فيه وفي أخيه موسى، وقال للموالي: إنّ الأموال عندهم، فتخوّفه وإياهم، فهرب في ليلة الأربعاء لثلاث خلْون من رجب، فكتب إليه المهتدي أربعة كتب يعطيه فيها الأمان على نفسه ومَنْ معه، ووصل كتابان إليه وهو بالمحمّدية مع أبرتكين بن برنمكاتكين، ووصل الآخران إليه مع فرج الصغير، فوثِق بذلك، فرجع حتى دخل الدار هو وأخوه حَبْشون وبكالبا، فحبِسوا وحُبِس معهم كَيْغَلع، فأفرد أبو نصر عنهم؛ فطلب منه المال، فقبض من وكيله خمسة عشر ألف دينار، وقتِل يوم الثلاثاء لثلاث خلوْن من رجب، ورُمِي به في بئر من آبار القناة، وأخرج من البئر يوم الإثنين للنصف من رجب، ومضى به إلى منزله وقد أراح، فاشتُرِي له ثلثمئة مثقال مسك وستمئة مثقال كافور، وصُيِّر عليه فلم تنقطع الرائحة، وصلى عليه الحسن بن المأمون،