وقال بعضهم - وذكر أنه كان شاهدًا أمرهم: لمّا كان ليلة الإثنين لليلة خلت من رجب ثار أهل الكرْخ والدّور جميعًا، فاجتمعوا، وكان المهتدي يوجّه إليهم إذا تحرّكوا أخاه عبد الله، فوجّه إليهم في هذا اليوم عبد الله أخاه كما كان يوجّهه، فصار إليهم؛ فوجَدهم قد أقبلوا يريدون الجوْسق، فكلّمهم، وضمِن لهم القيام بحوائجهم، فأبوْا وقالوا: لا نرجع حتى نصيرَ إلى أمير المؤمنين ونشكُو إليه قصتنا، فانصرف عنهم عبد الله، وفي الدار في هذا الوقت أبو نصر محمد بن بغا وحَبْشون وكَيْغَلغ ومسرور البلخيّ وجماعة؛ فلما أدّى عبد الله إلى المهتدي ما دار بينه وبينهم، أمره بالرجوع إليهم، وأن يأتيَ بجماعة منهم فيوصلَهم إليه؛ فخرج فتلقاهم قريبًا من الجوْسَق، فأرداهم على أن يقفوا بموضعهم، ويوجّهوا معه جماعة منهم فأبوْا، فلمّا تناهَى الخبر إلى أبي نصر ومَنْ كان معه في الدّار بأنّ جمعهم قد أقبل، خرجوا جميعًا من الدار مما يلي باب النزالة، فلم يبق في الدّار إلا مسرور البلخيّ وألطون خليفة كيْغَلَغ، ومن الكتّاب عيسى بن فَرُّخانشاه، ودخل الموالي مما يلي باب القصر الأحمر، فملؤوا الدار زُهاء أربعة آلاف، فصاروا إلى المهتدي، فشكْوا إليه حالهم.
وكان اعتمادهم في مسألتهم أن يعزل عنهم أمراءهم، ويضمّ أمورهم إلى إخوة أمير المؤمنين، وأن يؤخذ الأمراء والكتّاب بالخروج مما اختانوه من أموال السلطان؛ وذكروا أن قدره خمسون ومئة ألف ألف، فوعدهم النظر في أمرهم وإجابتهم إلى ما سألوا، فأقاموا يومَهم ذلك في الدّار، فوجّه المهتدي محمد بن مباشر الكرخيّ، فاشترى لهم الأسوقة، ومضى أبو نصر بن بغا من فورِه ذلك؛ حتى عسكر في الحَيْر بالقرب من موضع الحلْبة، فلحق به زهاء خمسمئة رجل، ثم تفرّقوا عنه في ليلتهم؛ فلم يبقَ إلا في أقلّ من مئة، ومضى فصار إلى المحمّدية، وأصبح الموالي في غداة يوم الأربعاء يطالبون بما كانوا يطالبون به أولًا، فقيل لهم: إن هذا الأمر الذي تريدونه أمرٌ صعب، وإخراج الأمر عن أيدي هؤلاء الأمراء ليس بسهل عليكم، فكيف إذا جمع إلى ذلك أخذهم بالأموال! فانظروا في أموركم؛ فإن كنتم تظنون أنكم تصبرون عيى هذا الأمر حتى يبلغَ منه غايته أجابكم إليه أمير المؤمنين، وإن تكن الأخرى فإنّ أميرَ المؤمنين يحسن لكم النظر، فأبوْا إلا ما سألوه أولًا، فدُعوا إلى أيمان البيعة على أن يقيموا على هذا