فذُكر عن حَبْشون بن بغا، أنه قال: قُتِل سبعمئة وثمانون إنسانًا، ولفرّق الناس، ودخل المهتدي الدار، فأغلق الباب الذي دخل فيه، وخرج من باب المصافّ حتى خرج من الباب المعروف بإيتاخ، ثم إلى سويقة مسرور، ثم درب الواثق؛ حتى خرج إلى باب العامة، وهو ينادي: يا معشرَ الناس، أنا أمير المؤمنين؛ قاتلوا عن خليفتكم، فلم تجبه العامة إلى ذلك، وهو يمرّ في الشارع وينادي، فلم يرهم ينصرونه، فصار إلى باب السجن، فأطلق مَنْ فيه، وهو يظنّ أنهم يعينونه؛ فلم يكن منهم إلا الهرب، ولم يجبه أحد، فلمّا لم يجيبوه، صار إلى دار أبي صالح عبد الله بن محمد بن يزداد، وقيها أحمد بن جميل صاحب الشُّرطة نازل، فدخل عليه، فأخرج من ناحية ديوان الضياع، ثم صيّر يه إلى الجوسق، فحبس فيه عند أحمد بن خاقان، وانتهب دار أحمد بن جُمَيل.
وكان ممن قتل في المعوكة من قواد المغاربة نصر بن أحمد الزبيريّ، ومن قوّاد الشاكرية عتّاب بن عتاب حين جاء يرأس بايكباك إليهم، وقتَل المهتدي - فيما قيل - في الوقعة عدة كثيرة بيده، تم جرى بينهم وبينه بعد أن حُبس كلام شديد، وأرادوه على الخلع فأبى، واستسلم للقتل، فقالوا: إنه كان كتب رُقعة بيده لموسى بن بغا وبايكباك وجماعة من القوّاد؛ أنه لا يغدر بهم ولا يغتالهم، ولا يفتك بهم ولا يهمّ بذلك، وأنه متى فعل ذلك بهم أو بأحد منهم ووقفوا عليه فهمْ في حلٍّ من بيعته، والأمر إليهم يُقعدون من شاؤوا، فاستحلُّوا بذلك نقضَ أمره.
وقد كان يارجوخ بعد انهزام الناس صار إلى الدار، فأخرج من ولد المتوكل جماعة، فصار بهم إلى داره، فبايعوا أحمد بن المتوكل المعروف بابن فِتْيان يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من رجب، وسُمِّي المعتمد على الله، وأشهِد يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب على وفاة المهتدي محمد بن الواثق، وأنه سليم ليس به إلا الجراحتان اللتان نالتاه يوم الأحد في الوقعة؛ إحداهما من سَهْم والأخرى من ضَرْبة، وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد وعدّة من إخوة أمير المؤمنين، ودُفِن في مقبرة المنتصر، ودخل موسى بن بغا ومفلح سامرّا يوم السبت لعشر بقين من رَجب، فسلّم على المعتمد فخلَع عليه، وصار إلى منزله وسكن الناس.