للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسلمات زُهاء خمسة آلاف امرأة؛ سوى مَنْ ظَفر به من الزنجيات اللواتي كنّ في سوق الخميس، فأمر أبو أحمد بحياطة النساء جميعًا، وحملهنّ إلى واسط ليُدفعن إلى أوليائهنّ، وبات أبو أحمد بحيال النهر المعروف ببراطق، ثم باكر المدينة من غد، فأذن للناس في حياطة ما فيها من أمتعة الزّنج، وأخذ ما كان فيها أجمع، وأمر بهدم سورها وطمّ خندقها وإحراق ما كان بقيَ فيها من السفن، ورحل إلى معسكره ببرمساور بالظفر بما بالرساتيق والقرى التي كانت في يد الشعرانيّ وأصحابه من غلّات الحِنْطة والشعير والأرزّ، فأمر ببيع ذلك، وصرف ثمنه في أعطيات مواليه وغلمانه، وجنده وأهل عسكره، وانهزم سليمان الشعرانيّ وأخواه ومَنْ أفلت، وسُلب الشعْرانيّ ولده وما كان بيده من مال، ولحق بالمذار، فكتب إلى الخائن بخبره وما نزل به واعتصامه بالمذار.

فذكر محمد بن الحسن، أن محمد بن هشام المعروف بأبي واثلة الكرمانيّ قال: كنتُ بين يدي الخائن وهو يتحدَّث، إذ ورد عليه كتاب سليمان الشعرانيّ بخبر الوقعة وما نزل به، وانهزامه إلى المذار، فما كان إلّا أن فضّ الكتاب، فوقعت عينُه على موضع الهزيمة حتى انحلّ وكاءُ بطنه، ثم نهض لحاجته، ثم عاد، فلمّا استوى به مجلسه أخذ الكتاب وعاد يقرؤه، فلما انتهى إلى الموضع الذي أنهضه، نهض حتى فعل ذلك مرارًا، قال: فلم أشكّ في عظم المصيبة، وكرهتُ أن أسأله، فلمّا طال الأمر تجاسرتُ، فقلت: أليس هذا كتاب سليمان بن موسى؟ قال: نعم، ورد بقاصمة الظَّهْر: أنّ الذين أناخوا عليه أوقعوا به وقعة لم تبق منه ولم تَذْر؛ فكتب كتابه هذا وهو بالمَذار، ولم يسلم بشيء غير نفسه، قال: فأكبرتُ ذلك، واللهُ يعلم مكروه ما أخفِي من السرور الذي وصل إلى قلبي، وأمسكُ مُبشرًا بدنوّ الفرج، وصبرَ الخائنُ على ما وصل إليه، وجعل يظهر الجلَد، وكتب إلى سليمان بن جامع يحذّره مثل الذي نزل بالشعراني، ويأمره بالتيقّظ في أمره وحفظ ما قبَله.

وذكر محمد بن الحسن: أن محمد بن حماد قال: أقام الموفّق بعسكره ببرمساور يومين، لتعرّف أخبار الشعرانيّ وسليمان بن جامع والوقوف على مستقرّه، فأتاه بعضُ مَنْ كان وجّهه لذلك، فأخبره: أنه معسكر بالقرية المعروفة بالحوانيت، فأمر عند ذلك بتعبير الخيل إلى أرض كَسْكَر في غربيّ دِجْلة، وسار

<<  <  ج: ص:  >  >>