يزحفوا بجميعهم إلى الفاسق؛ لا يتقدّم بعضهم بعضًا؛ وجعل لهم أمارة الزَّحْف تحريك علم أسود أمر بنصبه على دار الكرنبائي بفُوّهة نهر أبي الخصيب في موضع منها مشيد عالٍ، وأن ينفخ لهم ببوق بعيد الصوت، وكان عبوره يوم الإثنين لثلاث ليال بقين من المحرّم سنة سبعين ومئتين، فجعل بعض مَن كان على النهر المعروف بجوى كور يَزْحف قبل ظهور العلامة؛ حتى قرب من دار المهلبيّ، فلقيه وأصحابه الزَّنْج فردُّوهم إلى مواضعهم، وقَتَلُوا منهم جمعًا، ولم يشعر سائر الناس بما حدَث على هؤلاء المتسرّعين للقتال لكثرتهم وبعد المسافة فيما بين بعضهم وبعض.
فلمّا خرج القوّاد ورجالهم من المواضع التي أمِرُوا بالخروج منها، واستوى الفرسان والرجّالة في أماكنهم، أمر الموفّق بتحريك العلَم والنفخ في البوق، ودخل النهر في الشَّذَا، وزحف الناس يتلو بعضهم بعضًا، فلقيَهم الزَّنج قد حشدوا وجمّوا واجترؤوا بما تهيأ لهم على من كان تسرع إليهم، فلقيهم الجيش بنيّات صادقة وبصائر نافذة، فأزالوهم عن مواضعهم بعد كرّات كانت بين الفريقين، صرع فيها منهم جمع كثير، وصبر أصحاب أبي أحمد، فمنّ الله عليهم بالنَّصر، ومنحهم أكتاف الفسقة، فولَّوْا منهزمين، وأتبعهم أصحاب الموفّق، يقتلون ويأسرون، وأحاط أصحاب أبي أحمد بالفجرة من كلّ موضع، فقتل الله منهم في ذلك اليوم ما لا يحيط به الإحصاء، وغرق منهم في النهر المعروف بجوى كور مثل ذلك، وحوى أصحاب الموفّق مدينةَ الفاسق بأسرها، واستنقذوا مَنْ كان فيها من الأسرى من الرجال والنساء والصبيان، وظفروا بجميع عيال عليّ بن أبان المهلبيّ وأخويه الخليل ومحمد ابني أبان وسليمان بن جامع وأولادهم، وعبر بهم إلى المدينة الموفقيّة، ومضى الفاسق في أصحابه ومعه المهلبيّ وابنه أنكلاي وسليمان بن جامع وقوّاد من الزّنْج وغيرهم هُرَابًا، عامدين لموضع قد كان الخبيث رآه لنفسه ومَنْ معه ملجأ إذا غُلبوا على مدينته؛ وذلك على النهر المعروف بالسفيانيّ.
وكان أصحاب أبي أحمد حين انهزم الخبيث، وظفروا بما ظفروا به، أقاموا عند دار المهلبيّ الواغلة في نهر أبي الخصيب، وتشاغلوا بانتهاب ما كان في