للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِسلام، مستحلًا للدّم الحرام، حتى سفك في فتنته، وعلى سبيل ضلالته ما لا يحصى عددُه من خيار المسلمين الذابّين عن دين الله والناصرين لحقه، مجاهدًا لله، مجتهدًا في أن يُعصى الله فلا يُطاع، وتُبطَل أحكامه فلا تُقام، ويُخالَف دينه فلا يُدان، وأن تعلوَ كلمة الضلالة، وترتفع دعوة الباطل؛ وكلمة الله هي العليا، ودينه المنصور، وحكمه المتّبع النافذ، وأمره الغالب، وكيد من حادّه المغلوب الدَّاحض؛ حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما اتّبعها، وتطوّق تلك الدماء وما سُفك بعدها، وسنَّ سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة، وأباح المحارم لمن ارتكبها، ومنع الحقوق أهلها؛ واغترّه الإملاء، واستدرجه الإمهال، والله له بالمرصاد.

ثمَّ مما أوجب الله له به اللعنة قتلُه مَنْ قتل صبرًا من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة؛ مثل عمرو بن الحَمِق وحُجْر بن عديّ، فيمن قتل [من] أمثالهم، في أن تكون له العزّة والملك والغلبة، ولله العزة والملك والقدرة، والله عَزَّ وَجَلَّ يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: ٩٣].

ومما استحقّ به اللعنة من الله ورسوله ادّعاؤه زيادَ بن سُميّة، جرأةً على الله؛ والله يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب: ٥]، ورسول - صلى الله عليه وسلم -، يقول: "ملعون مَن ادّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه"، ويقول: "الولد للفِراش وللعاهر الحجر"، فخالف حكم الله عَزَّ وَجَلَّ وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - جهارًا، وجعل الولد لغير الفراش، والعاهر لا يضرّه عهرُه، فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أمّ حبيبة زوجة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وفي غيرها من سُفور وجوه ما قد حرّمه الله، وأثبت بها قربى قد باعدها الله، وأباح بها ما قد حظره الله، مما لم يدخل على الإِسلام خلل مثله، ولم ينل الدين تبديل شبهُه.

ومنه إيثاره بدين الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبّر الخمِّير، صاحب الدّيوك والفهود والقُرود، وأخذُه البيعة له على خيار المسلمين بالقَهْر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدّد والرهبة، وهو يعلم سفَهه، ويطّلع على خبثه ورَهقه، ويعاين سكَرَانه وفجورَه وكفره، فلما تمكن منه ما مكّنه منه، ووطَّأه له، وعصى الله ورسوله فيه، طلبَ بثأرات المشركين وطوائِلهم عند المسلمين،

<<  <  ج: ص:  >  >>