فأوقع بأهل الحَرّة الوقيعة التي لم يكن في الإِسلام أشنعُ منها ولا أفحش؛ ممَّا ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عَبَد نفسه وغليله، وظن أنَّه قد انتقم من أولياء الله، وبلّغ النَّوى لأعداء الله، فقال مجاهرًا بكفره ومظهرًا لشركه:
ليتَ أشياخي ببدرٍ شهدوا ... جزَعَ الخزْرَجِ من وقع الأَسلْ
قد قتلنا القَوْم من ساداتكمْ ... وعَدلنا ميْلَ بدر فاعتدَلْ
فأَهَلَّوا واستهلُّوا فرحًا ... ثمَّ قالوا: يا يزيد لا تُسَلْ
لسْتُ من خِندفَ إِن لم أنتقم ... من بني أَحمدَ ما كان فعلْ
وَلِعَتْ هاشِمُ بالمُلكِ فلا ... خبرٌ جاءَ، ولا وحيٌ نزَلْ
هذا هو المروقُ من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه، ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله.
ثمَّ مِنْ أغلظ ما انتهك، وأعظم ما اخترم سفكهُ لم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع موقِعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة، اجتراءً على الله، وكفرًا بدينه، وعداوةً لرسوِله، ومجاهدةً لعترته، واستهانةً بحرمته، فكأنما يقتل به وبأهل بيته قومًا من كُفَّار أهل الترك والدّيلم، لا يخاف من الله نقمةً، ولا يرقب منه سطوة، فبتر الله عمرَه، واجتثّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّله من عذابه وعقوبته ما استحقَّه من الله بمعصيته.
هذا إلى ما كان من بني مَرْوان من تبديل كتاب الله وتعطيل أحكامه، واتّخاذ مال الله دُولًا بينهم، وهَدْم بيته، واستحلال حرامه، ونصبهم المجانيقَ عليه، ورميهِم إياه بالنِيران، لا يألون له إحراقًا وإخرابًا، ولما حرّم الله منه استباحة وانتِهاكًا، ولمن لجأ إليه قتلًا وتنكيلًا، ولمن أمَّنهُ الله به إخافة وتشريدًا؛ حتى إذا حُقّت عليهم كلمة العذاب، واستحقُّوا من الله الانتقام، وملؤوا الأرض بالجوْر والعُدوان، وعمُّوا عباد الله بالظلم والاقتسار، وحلَّت عليهم السخطة، ونزلت بهم من الله السَّطْوة، أتاح الله لهم من عِتْرة نبيِّه، وأهل وراثته مَن استخلصهم منهم بخلافته، مثل ما أتاح الله من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين، فسفك الله بهم دماءَهم مرتدّين، كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين؛ وقطع الله دابر القوم الظالمين، والحمد لله رب العالمين،