للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان حضر ذلك الموضع للنظر إلى ما يُفعل بالقرمطيّ. وأقام الواثقيّ في جماعة من أصحابه في ذلك الموضع إلى وقت العشاء الآخرة، حتى ضُربت أعناق باقي الأسرى الذين أحضروا الدّكة، ثمَّ انصرف (١).

فلما كان من غد هذا اليوم حُملت رؤوس القتلى من المصلّى إلى الجسر، وصُلِب بَدَن القرمطيّ في طرف الجسر الأعلى ببغداد، وحفِرت لأجساد القتلى في يوم الأربعاء آبار إلى جانب الدّكة، وطُرحت فيها وطُمّت، ثمَّ أمِر بعد أيام بهدم الدكة ففُعل.

ولأربع عشرة خلتْ من شهر ربيع الآخر وافى بغداد القاسم بن سيما منصرفًا عن عمله بطريق الفرات، ومعه رجلٌ من بني العُلَيص من أصحاب القرمطيّ صاحب الشامة؛ دخل إليه بأمان، وكان أحد دعاة القرمطي، يكنى أبا محمَّد، وكان سبب دخوله في الأمان أنَّ السلطان راسلَه، ووعده الإحسان إن هو دخل في الأمان، وذلك أنَّه لم يكن بقي من رؤساء القرامطة بنواحي الشأم غيره، وكان من موالي بني العليص، فرّ وقتَ الوقعة إلى بعض النواحي الغامضة، فأفلت، ثمَّ رغب في الدّخول في الأمان والطاعة خوفًا على نفسه، فوافَى هو ومَنْ معه مدينة السلام، وهم نَيّفٌ وستون رجلًا، فأومنوا وأحسِن إليهم، ووُصِلوا بمال حمِل إليهم، وأخرج هو ومَنْ معه إلى رَحبة مالك بن طَوْق مع القاسم بن سيما، وأجريت لهم الأرزاق، فلما وصل القاسم بن سيما إلى عمله وهم معه، أقاموا معه مدّة، ثمَّ أجمعوا على الغدر بالقاسم بن سيما، وائتمروا به، ووقف على ذلك من عزمهم، فبادرهم ووضع السيف فيهيم فأبارهم، وأسر جماعة منهم، فارتدع مَنْ بقي من بني العليص ومواليهم، وذلّوا ولزموا أرض السَّماوة وناحيتها مدة حتى راسلهم الخبيث زكرويه، وأعلمهم أنّ مما أوحي إليه، أن المعروف بالشيخ وأخاه يُقتلان، وأن إمامَه الذي يوحَى إليه يظهر بعدهما ويظفر.

* * *

وفي يوم الخميس لتسع خلون من جمادى الأولى زوّج المكتفي ابنه محمّدًا


(١) لقد ذكر ابن الجوزي هذه التفاصيل (١٠٨ - ١١٤) مختصرًا في منتظمه (١٣/ ٢٢ - ٢٣) وكذلك ذكره ابن كثير مختصرًا [٨/ ٢٧٠].

<<  <  ج: ص:  >  >>