للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس، قال: لما نزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ الظهران، قال العباس بن عبد المطلب، وقد خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من المدينة: يا صباح قريش! والله لئن بَغَتها رسولُ الله في بلادها؛ فدخل مكة عَنْوة؛ إنه لهلاكُ قريش آخر الدهر! فجلس علي بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء، وقال: أَخرُج إلي الأراك لعلّي أري حَطّابًا أو صاحب لَبَن؛ أو داخلًا يدخل مكة؛ فيخبِرهم بمكان رسول الله؛ فيأتونه فيستأمنونه. فخرجت؛ فوالله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت صوت أبي سفيان بن حَرْب وحكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء، وقد خرجوا يتحسسون الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسمعتُ أبا سفيان وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم قطّ نيرانًا! فقال بُديل: هذه والله نِيرانُ خُزاعة، حَمَشَتْها الحرب! فقال أبو سفيان: خُزاعة ألأم من ذلك وأذلُّ! فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة! فقال: أبو الفضل! فقلت: نعم، فقال: لبّيك فِداك أبي وأمي! فما وراءك؟ فقلت: هذا رسول الله ورائي قد دَلَفَ إليكم بما لا قِبَلَ لكم به بعشرة آلاف من المسلمين. قال: فما تأمرني؟ فقلت: تركب عَجُز هذه البغلة، فأستأمن لك رسولَ الله؛ فوالله لئن ظفِر بك ليضربَنَّ عنقك، فردفني فخرجت به أركُض بغلةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلّما مررت بنارٍ من نيران المسلمين ونظروا إليّ، قالوا: عمُّ رسول الله علي بَغْلةِ رسول الله؛ حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال أبو سفيان! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عَقْدٍ ولا عهد! ثم اشتدّ نحو النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وركضت البغلة، وقد أردفتُ أبا سفيان؛ حتى اقتحمتُ علي باب القبّة، وسبقت عمر بما تسبق به الدابة البطيئة الرجلَ البطيءَ؛ فدخل عمر علي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، هذا أبو سفيان عدوّ الله؛ قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد؛ فدعْنِي أضرب عنقه؛ فقلت: يا رسولَ الله، إنّي قد أجرْتُه! ثم جلست إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت برأسه، فقلت: والله لا يناجيه اليومَ أحدٌ دوني! فلمّا أكثر فيه عُمَر، قلت: مهلًا يا عمر! فوالله ما تصنع هذا إلّا لأنه رجل من بني عبد مناف؛ ولو كان من بني عَدِيّ بن كدب ما قلت هذا. فقال: مهلًا يا عباس! فوالله لإسلامُك يومَ أسلمتَ كان أحبَّ إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم! وذلك لأني أعلمُ أن إسلامَك كان أحبَّ إلي رسول الله من إسلام الخطاب لو أسلم؛ فقال رسولُ الله: اذهب فقد آمنّاه حتى تغدوَ به عليّ بالغداة. فرجع به إلي منزله؛ فلمّا أصبح غدا به علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمّا رآه قال: ويحك

<<  <  ج: ص:  >  >>