مناسكَهم، وأعلمهم سننَ حجّهم؛ وخطب الناس خطبته التي بيّن للناس فيها ما بيّن، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال:
أيّها الناس، اسمعوا قولي؛ فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا، بهذا الموقف أبدًا، أيّها الناس؛ إنَّ دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقَوْا ربّكم كحرْمة يومكم هذا، وحرْمة شهركم هذا، وستلقوْن ربّكم، فيسألكم عن أعمالكم. وقد بَلّغْتُ، فمن كانت عنده أمانة فليُؤدِّها إلى من ائتمنه عليها. وإنّ كلّ ربًا موضوع، ولكم رؤوس أموالكم، لا تَظلمون ولا تُظلمون. قضى الله أنه لا رِبا. وإنّ ربا العباس بن عبد المطلب موضوعٌ كلّه، وأنّ كلّ دم كان في الجاهلية موضوع. وإنّ أوّل دم أضَعُ دمَ ابن رِبيعة بن الحارث بن عبد المطلب -وكان مستوضَعًا في بني ليث، فقتلتْه بنو هُذيل- فهو أوّل ما أبدأ به من دماء الجاهليّة.
أيّها الناس؛ إنّ الشيطان قد يئس من أن يُعْبَد بأرضكم هذه أبدًا؛ ولكنه رضِيَ أن يُطاع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم، فاحذروه على دينكم.
أيّها الناس:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ}، ويُحَرّمُوا ما أحَلّ اللهُ؛ وإنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلَق الله السموات والأرض؛ و {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}، ثلاثة متوالية؛ ورجب مُضَر الذي بين جمادى وشعبان.
أمّا بعد أيها الناس؛ فإنّ لكم على نسائكم حقًّا ولهنّ عليكم حقًّا، لكم عليهنّ ألا يوطئن فرشَكم أحدًا تكرهونه، وعليهنّ ألا يأتينَ بفاحشة مُبَيِّنَة؛ فإن فعلن فإنّ الله أذِن لكم أن تهجروهنّ في المضاجع، وتضربوهنّ ضربًا غير مُبَرِّح، فإن انتهينَ فلهن رزقهنّ وكِسْوَتهن بالمعروف. واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهنّ عندكم عَوَان لا يملكن لأنفسهنّ شيئًا، وإنكم إنما أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله؛ فاعقلوا أيها الناس واسمعوا قولي؛ فإنّي قد بلّغت وتركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلنْ تضلُّوا أبدًا؛ كتاب الله وسنة نبيّه.
أيها الناس، اسمعوا قولي فإني قد بلّغت، واعقلوه. تعلَمُنَّ أن كلّ مسلم أخو المسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحلّ لامرئ من أخيه إلّا ما أعطاه عن