للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأما أنا فلا سبيلَ لي إلى الدخول بعد النَّهي. ففعل، وإذا هو كان أفطنَ مني؛ فلما أخبرته قالت: وكيف ينبغي لنا أن ننقب على بيوت مبطّنة! ينبغي لنا أن نقلع بِطانَةَ البيت؛ فدخلا فاقتلعا البطانة، ثم أغلقاه؛ وجلس عندها كالزائر؛ فدخلَ عليها [الأسود] فاستخفَّتْه غَيرة، وأخبرته برضاع وقرابة منها عنده محرم، فصاح به وأخرجه. وجاءنا بالخبر؛ فلمَّا أمسينا عملنا في أمرنا؛ وقد واطَأنا أشيَاعُنا، وعجِلْنا عن مراسلة الهمْدانتين والِحميَريِّين؛ فنقبنا البيتَ من خارج، ثم دخلنا وفيه سراج تحت جَفْنة؛ واتَّقينا بفيروز؛ وكان أنجدَنا وأشدَّنا -فقلنا: انظر ماذا ترى! فخرج ونحن بينه وبين الحرس معه في مقصورة؛ فلمَّا دنا من باب البيت سمع غطيطًا شديدًا، وإذا المرأة جالسة؛ فلمّا قام على الباب أجلسه الشَّيطان فكلَّمه على لسانه- وإنه ليغُطَّ جالسًا. وقال أيضًا: ما لي ولك يا فيروز! فخشيَ إن رجع أن يهلك وتهلك المرأة، فعاجله فخالطه وهو مثل الجمَل؛ فأخذ برأسه فقتله، فدقّ عنقه، ووضع ركبته في ظهره فدقه، ثم قام ليخرج؛ فأخَذت المرأة بثوبه وهي تَرى أنه لم يقتله، فقالت: أين تَدَعُنِي! قال: أخبرُ أصحابي بمقتله؛ فأتانا فقمنا معه؛ فأردنا حزّ رأسه؛ فحرّكه الشيطان فاضطرب فلم يضبطه؛ فقلت: اجلسوا عَلَى صدره؛ فجلس اثنان على صدره، وأخذت المرأة بشعره، وسمعنا بربرة فألجمتهُ بمِئلاة؛ وأمرَّ الشَّفْرة على حَلقه فخار كأشدّ خُوار ثور سمعته قطّ؛ فابتدر الحرس الباب وهم حول المقصورة، فقالوا: ما هذا، ما هذا! فقالت المرأة: النبيّ يوحَى إليه! فخمد. ثم سمرنا ليلَتنا ونحن نأتمر كيف نخبرُ أشياعَنا، ليس غيرنا ثلاثتنا: فيروز وداذويه وقيس؛ فاجتمعنا على النداء بشعارنا الذي بيننا وبين أشياعنا، ثم يُنادى بالأذان، فلما طلَع الفجر نادى داذويه بالشعار، ففزع المسلمون والكافرون، وتجمّع الحرس فأحاطوا بنا، ثم ناديت بالأذان، وتوافت خيولُهم إلى الحَرس، فناديتهم: أشهدُ أنّ محمدًا رسول الله؛ وأن عَبْهلة كذاب! وألقينا إليهم رأسَه، فأقام وَبَر الصلاة، وشَنّها القوم غارةً؛ ونادينا: يا أهل صَنْعاء، مَن دخل عليه داخل فتعلّقوا به، ومَن كان عنده منهم أحد فتعلقوا به. ونادينا بمَن في الطريق: تعلَّقوا بمَن استطعتم! فاختطفوا صبيانًا كثيرين؛ وانتهبوا ما انتهبوا، ثم مضوا خارجين؛ فلمَّا برزوا فقدوا منهم سبعين فارسًا ركبانًا؛ وإذا أهلُ الدُّور والطُرق وقد وافونا بهم؛ وفقدنا سبعمئة عَيِّل فراسلونا وراسلناهم أن يتركُوا لنا ما في أيديهم، ونترك لهم ما في أيدينا؛ ففعلوا

<<  <  ج: ص:  >  >>