للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رقدَ، فأشرتُ إليها: أين رأسه؟ فأشارت إليه، فأقبلتُ أمشي حتى قمتُ عند رأسه لأنظر، فما أدري أنظرتُ في وجهِه أم لا! فإذا هو قد فَتَح عينيه؛ فنظر إليّ، فقلت: إن رجعتُ إلى سيفي خفت أن يفوتني ويأخذ عُدَّة يمتنع بها منِّي؛ وإذا شيطانه قد أنذره بمكاني وقد أيقظه، فلمّا أبطأ كلَّمنِي على لسانه؛ وإنه لينظر ويغُطُّ، فأضرب بيديّ إلى رأسه، فأخذت رأسه بيد ولحيته بيدٍ؛ ثم ألْوي عنقه فدققتها؛ ثم أقبلت إلى أصحابي، فأخذت المرأة بثوبي، فقالت: أختكم نصيحتكم! قلت: قد والله قتلتُه وأرحْتُك منه. قال: فدخلتُ على صاحبيَّ فأخبرتُهما، قالا: فارجع فاحتزّ رأسَه وائتنا به، فدخلت فبَربر فألجمته فحَززت رأسه، فأتيتهما به، ثم خرجنا حتى أتينا منزلَنا؛ وعندنا وَبَرُ بن يُحنّس الأزديّ، فقام معنا حتى ارتقينا على حِصْن مرتفع من تلك الحصون؛ فأذَّن وَبَر بن يُحنّس بالصلاة، ثم قلنا: ألا إنَّ الله عزَّ وجل قد قتل الأسود الكذَّاب، فاجتمع الناس إلينا فرمينا برأسه، فلمَّا رأى القوم الذين كانوا معه أسْرَجوا خيولهم؛ ثم جعل كلّ واحد منهم يأخذ غلامًا من أبنائنا معه من أهل البيت الذي كان نازلًا فيهم؛ فأبصرتُهم في الغَلَس مُرْدِفي الغلمان، فناديت أخي وهو أسفل منّي مع الناس: أن تعلَّقوا بمَن استطعتم منهم؛ ألا تروْن ما يصنعون بالأبناء! فتعلَّقوا بهم؛ فحبسنا منهم سبعين رجلًا، وذهبوا منّا بثلاثين غلامًا، فلمَّا برزوا إذا هم يفقدون سبعين رجلًا حين تفقَّدوا أصحابَهم، فأتوْنا فقالوا: أرسِلوا إلينا أصحابَنَا، فقلنا لهم: أرسلوا إلينا أبناءنا، فأرسلوا إلينا الأبناء، وأرسلنا إليهم أصحابهم.

قال: وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: إنَّ الله قد قتل الأسوَد الكذَّاب العَنْسيَّ، قتله بيَدِ رجل من إخوانكم، وقوم أسلموا وصدَّقوا! فكنّا كأنّا على الأمر الذي كان قبل قدوم الأسود علينا وأمن الأمراءُ وتراجعوا، واعتذر الناسُ وكانوا حديثِي عهد بالجاهليَّة (١). (٣: ٢٣٦/ ٢٣٧ / ٢٣٨/ ٢٣٩).


(١) ولقد ذكرنا هذه الروايات السبع في قسم الصحيح، وسنورد ما يؤيدها بإذن الله تعالى.
١ - أخرج البخاري في صحيحه (٦١ - كتاب المناقب علامات النبوة في الإسلام / ح ٣٦٢١) عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب فأهمَّني شأنهما فأوحيَ إليّ في المنام: أن انفخهما، فنفختهما، فطارا، فأولتهما =

<<  <  ج: ص:  >  >>