الشَّام فمنهم مَن يصير مع أبي عبيدة، ومنهم مَن يصير مع يزيد، يصير كلّ قوم مع من أحبّوا.
قالوا: فأوّل صُلْح كان بالشام صلح مَآبَ؛ وهي فسطاط ليست بمدينة، مرّ أبو عبيدة بهم في طريقه، وهي قرية من البَلْقاء، فقاتلوه، ثم سألوه الصُّلْح فصالحهم. واجتمع الرُّوم جمعًا بالعَرَبة من أرضِ فلسطين؛ فوجَّه إليهم يزيدُ بن أبي سفيان أبا أمامة الباهليّ؛ ففضَّ ذلك الجمع.
قالوا: فأوّل حرب كانت بالشام بعد سريّة أسامة بالعَرَبة. ثم أتوا الدّاثنة - ويقال: الدّاثن - فهزمهم أبو أمامة الباهليُّ، وقتل بِطْريقًا منهم. ثم كانت مَرْج الصّفَّر، استشهد فيها خالد بن سعيد بن العاصي، أتاهم أدْرُنْجار في أربعة آلاف وهم غارُّون، فاستُشهد خالد وعدّة من المسلمين.
قال أبو جعفر: وقيل: إنّ المقتول في هذه الغزوة كان ابنًا لخالد بن سعيد، وإنّ خالدًا انحاز حين قُتل ابنه، فوجَّه أبو بكر خالد بن الوليد أميرًا على الأمراء الذين بالشام، ضمَّهم إليه؛ فشخص خالد من الحِيرة في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمانمئة - ويقال: في خَمْسمئة - واستخلف على عَمَلهِ المثنَّى بن حارثة، فلَقيه عدوّ بَصَنْدَوْدَاء، فظفر بهم، وخلَّف بها ابن حَرام الأنصاريّ؛ ولقيَ جمعًا بالمُصيّخ، والحُصَيد، عليهم ربيعة بن بُجير التَّغلبِيّ، فهزمهم وسَبَى وغَنِم، وسار ففوّز من قُراقِر إلى سُوَى؛ فأغار على أهل سُوَى؛ واكتسح أموالهم، وقتل حُرْقُوص بن النُّعمان البَهرانيّ، ثم أتى أرَك فصالحوه، وأتى تَدْمُر فتحصّنوا، ثم صالحوه؛ ثم أتى القريتين، فقاتلهم، فظفر بهم، وغَنِم، وأتى حُوَّارين؛ فقاتلهم فهَزَمهم وقتلَ وسبَى، وأتى قُصَم فصالحه بنو مَشْجَعة من قُضاعة، وأتى مَرْج راهِط، فأغار على غَسَّان في يوم فِصْحهم، فقتل وسَبَى، ووجَّه بُسْر بن أبي أرطاة وحبيب بن مَسْلَمة إلى الغوطة، فأتوْا كنيسة فسَبوا الرّجال والنِّساء، وساقُوا العِيال إلى خالد.
قال: فوافى خالدًا كتابُ أبي بكر بالحيرة منصرفَه من حجّهِ: أن سِرْ حتَّى تأتيَ جموعَ المسلمين باليَرْموك، فإنهم قد شَجُوا وأشْجَوْا، وإيّاك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشجِ الجموع من الناس بعون الله شجاك، ولم ينزع الشجَى من الناس نزعك. فليهنئك أبا سليمان النيَّة والحُظوة؛ فأتمِم يُتمم الله لك،