للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجراح ويزيد بن أبي سفيان، وأمر كلّ واحد منهما بالغارة، وألّا تُوغلوا حتى لا يكون وراءكم أحدٌ من عدوِّكم.

وقدم عليه شُرَحبْيل بن حَسَنة بفتح من فتوح خالد، فسرّحه نحو الشام في جُنْد، وسمّى لكلّ رجل من أمراء الأجناد كورةً من كور الشام، فتوافوا باليَرْموك، فلمّا رأت الروم توافيَهم ندموا على الذي ظهر منهم، ونَسوا الذي كانوا يتوعّدون به أبا بكر، واهتموا وهمَّتهم أنفسهم، وأشْجَوْهم وشجوا بهم، ثم نزلوا الواقوصة. وقال أبو بكر: والله لأنْسِيَنّ الرُّوم وساوسَ الشيطان بخالد بن الوليد، فكتب إليه بهذا الكتاب الَّذي فوق هذا الحديث، وأمَره أن يستخلِف المثنَّى بن حارثة على العِراق في نصف الناس، فإذا فتح الله على المسلمين الشَّام، فارجعْ إلى عملك بالعراق. وبعث خالد بالأخماس إلّا ما نفّل منها مع عُمَير بن سعد الأنصاريّ وبمسيره إلى الشام. ودعا خالد الأدلَّة، فارتحل من الحيرة سائرًا إلى دُومة، ثم طعن في البرّ إلى قراقر، ثم قال: كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم! فإني إن استقبلتها حبستني عن غِياث المسلمين، فكلّهم قال: لا نعرف إلا طريقًا لا يحمل الجيوش، يأخذه الفذّ الراكب، فإيَّاك أن تغرّر بالمسلمين. فعزم عليهم ولم يُجِبْه إلى ذلك إلّا رافع بن عُميرةَ على تهيُّبٍ شديد، فقام فيهم، فقال: لا يختلفنّ هَدْيُكم، ولا يضعفنّ يقينكم، واعلموا أنّ المعونة تأتي على قدر النيَّة، والأجر على قدر الحِسْبة؛ وإنّ المسلم لا ينبغي له أن يكترث بشيء يقع فيه مع معونة الله له، فقالوا له: أنت رَجُلٌ قد جمع الله لك الخير، فشأنَك. فطابقوه ونووا واحتسبوا، واشتهوا مثلَ الذي اشتهى خالد، فأمرهم خالد، فتروَّوا للشَّفة لخمس، وأمر صاحب كلّ خيل بقدر ما يسقيها، فظمَّأ كل قائد من الإبل الشُّرُفِ الجِلال ما يكتفي به، ثم سَقْوها العَلَل بعد النَّهلِ؛ ثم صرُّوا آذان الإبل وكعموها، وخلَّوا أدبارها، ثم ركبوا من قراقر مفوّزين إلى سُوَى - وهي على جانبها الآخر ممَّا يلي الشام - فلما ساروا يومًا افتظّوا لكل عِدّة من الخيل عشرًا من تلك الإبل فمزجوا ما في كُروشها بما كان من الألبان، ثم سَقَوا الخيلَ، وشربوا للشفة جَرْعًا، ففعلوا ذلك أربعة أيام (١). (٣: ٤٠٨/ ٤٠٩).


(١) سنذكر ما ورد في فتوح الشام بعد الرواية (٣/ ٤١٧ / ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>