قال: فلمّا قال: أدّيتم الجزية، نخروا وصاحوا، وقالوا: لا صلحَ بيننا وبينكم، فقال المغيرة: تعبرون إلينا أو نعبر إليكم؟ فقال رستم: بل نعمر إليكم، فاستأخَر المسلمون حتى عَبَر منهم مَن عبر، فحملوا عليهم فهزموهم.
قال حصين: فحدّثني رجل منَّا يقال له عُبيد بن جَحْش السُّلميّ، قال: لقد رأيتُنا وإنّا لنَطَأ على ظهور الرجال، ما مسَّهم سلاح، قتل بعضهم بعضًا، ولقد رأيتُنا أصبْنا جِرابًا من كافور، فحسبْناه ملحًا لا نشكّ أنه مِلْح؛ فطبخنا لحمًا، فجعلنا نُلقيه في القِدْر فلا نجد له طعمًا، فمرّ بنا عِباديّ معه قميص فقال: يا معشرَ المُعرِبين! لا تفسدُوا طعامَكم، فإنَّ ملح هذه الأرض لا خيرَ فيه، هل لكم أن تأخذوا هذا القميصَ به؟ فأخذناه منه، وأعطيناه منَّا رجلًا يلبسه، فجعلنا نُطيف به ونعجب منه، فلمَّا عرفنا الثياب؛ إذا ثمن ذلك القميص درهمان. قال: ولقد رأيتُني أقربُ إلى رجل عليه سِواران من ذهب، وسلاحُه، فجاء فما كلّمته حتى ضربتُ عنقه.
قال: فانهزموا حتى انتهوا إلى الصَّراة؛ فطلبناهم فانهزموا حتى انتهوا إلى المدائن؛ فكان المسلمون بكُوثَى وكان مسلحة المشركين بدَير المسلاخ، فأتاهم المسلمون فالتقوْا، فهُزم المشركون حتى نزلوا بشاطئ دِجلة، فمنهم مَن عبر من كَلْواذَى، ومنهم مَن عبَر من أسفل المدائن، فحصروهم حتى ما يجدون طعامًا يأكلونه، إلّا كلابَهم وسنانيرهم، فخرجوا ليلًا، فلحقوا بجَلولاء، فأتاهم المسلمون؛ وعلى مقدّمة سعد هاشم بن عُتْبة، وموضع الوقعة التي ألحقهم منها فريد. قال أبو وائل: فبعث عمر بن الخطاب حذيفةَ بن اليمان على أهل الكوفة، ومُجاشع بن مسعود على أهل البصرة (١). (٣: ٤٩٦/ ٤٩٧).
١٢١ - كتب إليّ السريّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وعمرو بإسنادهم، قالوا: وعجَّ أهلُ السَّواد إلى يَزْدَجرد بن شهريار، وأرسلوا إليه: أن العرب قد نزلوا القادسيَّة بأمر ليس يُشبه إلّا الحرب، وإن فعل العرب مذ نزلوا القادسيَّة لا يبقى عليه شيء؛ وقد أخربوا ما بينهم وبين الفرات؛ وليس فيما
(١) حديث أبي وائل هذا أخرجه غير الطبري من الحفاظ مع اختلاف بسيط كما سنذكر بعد سردنا للروايات.