وأما عُجيف بن عنبسة؛ فلما صار بباعَينَاثا، فوق بلدَ قليلًا، مات في المحمل، فطُرح عند صاحب المسلحة، وأمر أن يُدفن فيها، فجاء به إلى جانب حائط خرب فطرحه عليه فقبِر هناك.
وذُكر عن علي بن حسن الرّيدانيّ أنه قال: كان عُجيف في يد محمد بن إبراهيم بن مُصعب، فسأله المعتصم عنه؛ فقال له: يا محمد، لم يمت عُجيف؟ قال: يا سيّدي اليوم يموت، ثم أتى محمد مضرَبه، فقال لعجيف يا أبا صالح، أيَّ شيء تشتهي؟ قال أسفيدباج وحَلْوى فالوذج، فأمر أن يعمَل له من كلِّ طعام، فأكل وطلب الماء فمنع؛ فلم يزل يطلب وهو يسوق حتى مات، فدفن بباعَيْنَاثا.
قال: وأما التركيّ الذي كان ضمن للعباس قتل أشناس متى ما أمره العباس - وكان كريمًا على أشناس ينادمه ولا يحجب عنه في ليل ولا نهار - فإنه أمر بحبسه، فحبسه أشناس قبَله في بيت، وطيَّن عليه الباب، وكان يلقي إليه في كلّ يوم رغيفًا وكوز ماء، فأتاه ابنه في بعض أيامه، فكلمه من وراء الحائط، فقال له: يا بنيّ، لو كنت تقدر لي على سِكِّين كنت أقدر أن أتخلص من موضعي هذا: فلم يزل ابنه يتلطّف في ذلك حتى أوصل إليه سكِّينًا، فقتل به نفسه.
وأما السنديّ بن بختاشه، فأمر المعتصم أن يوهب لأبيه بختاشه - لأن بختاشه لم يكن يتلطّخ بشيء من أمر العباس - فقال المعتصم: لا يفجع هذا الشيخ بابنه، فأمر بتخلية سبيله.
وأما أحمد بن الخليل؛ فإنه دفعه أشناس إلى محمد بن سعيد السعديّ، فحفر له بئرًا في الجزيرة بسامراء، فسأل عنه المعتصم يومًا من الأيام، فقال لأشناس: ما فعل أحمد بن الخليل؟ فقال له أشناس: هو عند محمد بن سعيد السعديّ، قد حفر له بئرًا وأطبق عليه، وفتح له فيها كوّة ليرمي إليه بالخبز والماء، فقال المعتصم: هذا أحسبه قد سمن على هذه الحال، فأخبر أشناس محمد بن سعيد بذلك، فأمر محمد بن سعيد أن يسقى الماء، ويصبّ عليه في البئر حتى يموت، ويمتلئ البئر؛ فلم يزل يصُبّ عليه الماء؛ والرمل ينشف الماء؛ فلم يغرق ولم يمتلئ البئر؛ فأمر أشناس بدفعه إلى غِطريف الخجنديّ، فدُفع إليه، فمكث عنده أيامًا، ثم مات فدفُن.