للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأظهر محمد خلع المأمون، وبايع لابنيه - في جميع الآفاق إلّا خُراسان - موسى وعبد الله، وأعطى عند بيعتهما بني هاشم والقوّاد والجند الأموال والجوائز، وسمّى موسى النّاطق بالحق، وسمّى عبد الله القائم بالحقّ. ثم خرج عليّ بن عيسى لسبع ليال خلون من شعبان سنة خمس وتسعين ومائة من بغداد حتى عسكر بالنَّهروان، وخرج معه يشيّعه محمد، وركب القوّاد والجنود، وحُشرت الأسواق، وأشخص معه الصنّاع والفعَلة، فيقال: إنّ عسكره كان فرسخًا بفسطاطيه وأهبْتَه وأثقاله، فذكر بعضُ أهل بغداد أنهم لم يروا عسكرًا كان أكثرَ رجالًا، وأفرَه كُراعًا، وأظهر سلاحًا، وأتمَّ عُدّة، وأكمل هيئة، من عسكره.

وذكر عمرو بن سعيد أن محمدًا لما جاز باب خُراسان نزل عليّ فترجَّل، وأقبل يوُصيه، فقال: امنع جندَك من العبث بالرعيّة والغارة على أهل القُرى وقَطْع الشجر وانتهاك النساء، وولّ الري يحيى بن عليّ، واضمم إليه جندًا كثيفًا، ومرْه ليدفع إلى جنده أرزاقهَم مما يجبى من خراجها، وولّ كل كورة ترَحلُ عنها رجلًا من أصحابك، ومَنْ خرج إليك من جند أهل خُراسان ووجوهها فأظهر إكرامه وأحسن جائزته، ولا تعاقب أخًا بأخيه، وضَعْ عن أهل خراسان رُبْع الخراج، ولا تؤمِّن أحدًا رماك بسهم، أو طعن في أصحابك برُمح، ولا تأذن لعبد الله في المُقام أكثر من ثلاثة من اليوم الذي تظهر فيه عليه، فإذا أَشخصتَه فليكن مع أوثقِ أصحابك عندك، فإن غرّة الشيطان فناصَبك فاحرص على أن تأسره أسرًا، وإن هرب منك إلى بعض كوُر خراسان، فتولّ إليه المسير بنفسك. أفهِمْت كّل ما أوصيك به؟ قال: نعم، أصلح الله أمير المؤمنين! قال: سِرْ على بركة الله وعونه! .


= وأنا التي ربيّته، وأنا أحنو عليه، فإياك أن يبدأه منك مكروه، أو تسير أمامه، بل سر إذا سرت معه من ورائه، وإن دعاك فلبّه، ولا تركب حتى يركب قبلك، وخذ برِكابه إذا ركب، وأظهر له الإجلال والإكرام".
ثم دفعت إِليه قيدًا من فضّه وقالت:
إن استعصى عليك في الشخوص فقيّده بهذا القيد".
وإن محمدًا انصرف عنه بعد أن أوعز إليه، وأوصاه بكل ما أراد [الأخبار الطوال/ ٣٩٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>