بكى المِنبَرُ الشرقيُّ إِذْ خارَ فوقَه ... على النَّاسِ ثور قد تَدَلَّت غَبَاغبُهْ
ثَقيل على جنبِ الثرِيد مُراقبٌ ... لشخصِ الخوانِ يَبتَدِي فيُواثِبُهْ
إذا ما احتشى من حاضِر الزَّادِ لم يملْ ... أضاءَ شِهَابُ المُلكِ أم كلَّ ثاقِبُه
إذا بَكَّرَ الفرَّاشُ ينثو حديثَه ... تضاءَل مُطْريهِ وأطنَب عائبُهْ
تَخَطَّى إلى الأَمْرِ الَّذي ليس أهلَهُ ... فَطوْرًا يُناغيه وطورًا يُشاغِبُهْ
فكيف رأَيتَ الحق قَرَّ قرارُه ... وكَيْفَ رأيتَ الظُّلمَ زالتْ عواقبُهْ
ولم يكنِ المغْترُّ باللهِ إذ سَرَى ... ليُعجِزَ والمعتزُّ بالله طالِبُهْ
رَمَى بالقضِيب عُنوةً وهوْ صاغرٌ ... وعُرِّيَ من بُرْدِ النَّبيّ مناكبُهْ
وقد سرَّني أنْ قيل وُجِّه مسرعًا ... إلى الشَّرْقِ تُحْدَى سُفنُه وركائبُه
إلى كَسْكَرٍ خَلْف الدَّجاج ولم يَكن ... لِتُنْشَبَ إلَّا في الدجاج مخالبُه
وما لِحيَةُ القصَّارِ حيث تنفشَتْ ... بجالبةٍ خيرًا على من يناسِبُهْ
يحوز ابن خَلّادٍ على الشّعْرِ عنْدَه ... ويُضحي شُجاعٌ وهو للجهل كاتِبُهْ
فأقسمْتُ بالْوادِي الحَرامِ وما حَوَتْ ... أباطحُه من مَحْرَمٍ وأخاشبُهْ
لقد حملَ المعتزُّ أمةَ أحمِدٍ ... على سَنَنٍ يَسرِي إلى الحقّ لاحِبُهْ
تَدارَك دينَ الله من بعد ما عَفتْ ... معالِمُه فينَا وغارَت كواكبُهْ
وضَمَّ شعاعَ المُلكِ حتى تَجمَّعتْ ... مشارِقُهُ موفورةً ومغارِبُهْ
* * *
وانصرف أبو الساج ديوداد بن ديودست إلى بغداد لسبع بقين من المحرّم من هذه السنة، فقلّده محمد بن عبد الله معاون ما سقَى الفرات من السَّواد، فوجّه أبو الساج خليفةً له يقال له كربة إلى الأنبار، وجَّه قومًا من أصحابه إلى قصر ابن هبيرة مع خليفة له، ووجَّه الحارث بن أسد في خمسمئة فارس وراجل، يستقرئ أعماله، ويطرد الأتراك والمغاربة عنها، وقد كانوا عاثوا في النواحي وتلصّصوا، ثم شخص أبو الساج من بغداد لثلاث خلوْن من ربيع الأول، ففرّق أصحابه في طساسيج الفرات، ونزل قصر ابن هبيرة؛ ثم صار إلى الكوفة، ووافى أبو أحمد سامرّا منصرفًا من معسكره إليها لإحدى عشرة بقيتْ من المحرّم، فخلع المعتزّ عليه ستة أثواب وسيفًا، وتُوِّج تاج ذهب بقلنسوة مجوهرة، ووُشِّح وشاحيْ ذهب بجوهر، وقُلِّد سيفًا آخر مرصّعًا بالجوهر، وأجلِس على كرسيّ، وخلع على الوجوه من القوّاد.