للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلوب؛ فنحن نعرفُه، ولسنا ننكره، والله ابتلانا بذلك، وصيَّرنا إليه، والدنيا دُوَل، ولم يزل أهلُ شدائدها يتوقَّعون الرّخاء حتى يصيروا إليه، ولم يزل أهل رخاتها يتوقَّعون الشَّدائد حتى تنزل بهم، ويصيروا إليها، ولو كنتم فيما آتاكم الله ذوي شُكر، كان شكركم يقصّر عمّا أوتيتم، وأسلمكم ضَعْف الشكر إلى تغيّر الحال، ولو كنَّا فيما ابتُلينا به أهلَ كفر؛ كان عظيم ما تتابع علينا مستجلبًا من الله رحمة يرفِّه بها عنَّا، ولكنّ الشأن غيرُ ما تذهبون إليه؛ أو كنتم تعرفوننا به، إنَّ الله تبارك وتعالى بعثَ فينا رسولًا ... ثم ذكر مثلَ الكلام الأوّل؛ حتى انتهى إلى قوله: وإن احتجت إلينا أن نمنعك فكنْ لنا عبدًا تؤدّي الجزية عن يد وأنت صاغر، وإلّا فالسيف إن أبيت! فنخر نخرة، واستشاط غضبًا، ثم حلَف بالشَّمْس لا يرتفع لكم الصّبح غدًا حتى أقتلكم أجمعين! .

فانصرف المغيرة؛ وخلَص رستم تألّفًا بأهل فارس، وقال: أين هؤلاء منكم؟ ما بعد هذا! ألم يأتِكم الأوّلان فحسَّراكم، واستحرجاكم، ثم جاءكم هذا، فلم يختلفوا، وسلكوا طريقًا وأحدًا، ولزموا أمرًا واحدًا. هؤلاء والله الرجال؛ صادقين كانوا أم كاذبين! والله لئن كان بلغ من إربهم، وصوْنهم لسرّهم ألّا يختلفوا، فما قَوْمٌ أبلَغ فيما أرادوا منهم؛ لئن كانوا صادقين ما يقوم لهؤلاء شيء! فلجّوا، وتجلَّدوا. وقال: والله إني لأعلم أنَكم تُصغون إلى ما أقول لكم، وإنّ هذا منكم رِئاء! فازدادوا لَجاجة (١). (٣: ٥٢١/ ٥٢٢/ ٥٢٣/ ٥٢٤).

٢٧٧ - كتب إليّ السريُّ عن شُعيب، عن سيف، عن النَّضْر، عن ابن الرُّفيل، عن أبيه، قال: فأرسل مع المغيرة رجلًا وقال له: إذا قطع القنطرة، ووصل إلى أصحابه، فناد: إن الملك كان منجّمًا، قد حسب لك، ونظر في أمرك، فقال: إنَّك غدًا تُفقأ عينُك. ففعل الرسول، فقال المغيرة: بشّرتَني بخيرٍ وأجر! ولولا أنْ أجاهدَ بعد اليوم أشباهَكم من المشركين، لتمنّيتُ أنّ الأخرى ذهبت أيضًا. فرآهم يضحكون من مقالته، ويتعجَّبون من بصيرته؛ فرجع إلى الملك بذلك، فقال: أطيعوني يا أهلَ فارس! وإنّي لأرى لله فيكم نِقْمة لا تستطيعون ردَّها عن أنفسكم. وكانت خيولُهم تلتقِي على القنطرة لا تلتقي إلّا عليها، فلا يزالون


(١) إسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>