والأخنس، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا بصير؛ إنَّا قد أعْطينا هؤلاء القوم ما قد علمت؛ ولا يصلح لنا في ديننا الغَدْر، وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرَجًا ومخرجًا.
قال: فانطلق معهما حتى إذا كان بذي الحُلَيفة، جلس إلى جدار وجلس معه صاحباه، فقال أبو بصير: أصارمٌ سيفك هذا يا أخا بني عامر؟ قال: نعم، قال: انظر إليه؟ قال: إن شئت! فاستلّه أبو بَصير، ثمّ علاه به حتى قتله، وخرج المولى سريعًا حتى أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد، فلما رآه رسول الله طالعًا، قال: إنَّ هذا رجل قد رأى فَزَعًا، فلمّا انتهى إلى رسولِ الله قال: ويلك! مالك! قال: قتَل صاحبُكم صاحبي؛ هو الله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشِّحًا السيف، حتى وقف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسولَ الله، وفتْ ذمّتك، وأدِّيَ عنك، أسلمتني ورددتَني إليهم ثمَّ أنجاني الله منهم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ويلُ أمِّه مِسْعَرُ حَرْب! - وقال ابن إسحاق في حديثه: محَشّ حَرْب - لو كان معه رجالٌ! فلمّا سمع ذلك عرف أنَّه سيرُدّه إليهم. قال: فخرج أبو بصير حتى نزل بالعيص من ناحية ذي المَرْوة على ساحل البحر بطريق قريش الذي كانوا يأخذون إلى الشام. وبلغ المسلمين الذين كانوا احتُبسوا بمكة قولُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بصير:"ويل أمّه محشّ حرب لو كان معه رجال"، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص؛ وينفلت أبو جندل بن سُهَيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير؛ فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلًا منهم؛ فكانوا قد ضيّقوا على قُرَيش؛ فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يناشدونه بالله وبالرّحم لَمَا أرسل إليهم! فمن أتاه فهو آمِن، فآواهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقدموا عليه المدينة.
زاد ابن إسحاق في حديثه: فلمَّا بلغ سهيلَ بن عمرو قتلُ أبي بصير صاحبَهم العامريّ أسند ظهرَه إلى الكعبة، وقال: لا أؤخّر ظهري عن الكعبة؛ حتى يُودُوا هذا الرجل؛ فقال أبو سفيان بن حرب: والله إنّ هذا لهو السَّفه! والله لا يُودَى! ثلاثًا (١). (٢: ٦٣٨/ ٦٣٩).
(١) لقد ذكرنا سابقًا أن البخاري أخرج حديث مروان ومسور - رضي الله عنهما - وفي آخر الحديث قصة أبي بصير. (صحيح البخاري / كتاب الشروط / ح ٢٧٣١) والله تعالى أعلم.