للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولم أعرف النوم في تلك الليلة شوقا إليها، وخوفا من انقطاع السبب بيننا. فلما كان بعد أيام جاءنى الخادم، فأكرمته وسألته عن خبرها، فقال: هى والله عليلة من شوقها إليك، فقلت: اشرح لى أمرها، فقال: هذه مملوكة السيدة أم المقتدر وهى من أخص جواريها، واشتهت رؤية الناس والدخول والخروج. فتوصلت حتّى جعلتها قهرمانة.

وقد والله حدّثت السيدة بحديثك وبكت بين يديها وسألتها أن تزوّجها منك، فقالت السيدة: لا أفعل أو أرى هذا الرجل. فإن كان يستأهلك وإلا لم أدعك ورأيك.

وتحتاج أن تحتال في إدخالك الدار بحيلة، فإن تمت وصلت بها إلى تزويجك بها، وإن انكشفت ضرب عنقك. وقد أنقذتنى إليك في هذه الرسالة، وقالت لك:

إن صبرت على هذا، وإلا فلا طريق لك والله إلىّ، ولا لى إليك بعدها! فحملنى ما في نفسى أن قلت: أصبر، فقال: إذا كانت الليلة فاعبر إلى المحرم، وادخل إلى المسجد، وبت فيه. ففعلت ذلك. فلما كان وقت السّحر، إذا بطيار [١] قد قدم، وخدم قد رفعوا صناديق فراغا. فجعلوها في المسجد وانصرفوا. وخرجت الجارية فصعدت إلى المسجد، والخادم معها. فجلست وفرقت باقى الخدم في حوائج، واستدعتنى فعانقتنى وقبلتنى. ولم أكن نلت ذلك منها قبله. ثم أجلستنى في بعض الصناديق وأقفلته. وطلعت الشمس وجاء الخدم بثياب وحوائج من المواضع التى كانت أنفذتهم إليها، فجعلت ذلك بحضرتهم في باقى الصناديق، وأقفلتها. وحملت إلى الطيار وانحدر. فلما حصلت فيه ندمت وقلت: قتلت نفسى لشهوة، وأقبلت ألومها تارة، وأشجّعها وأمنّيها أخرى، وأنذر النّذور على خلاصى، وأوطّن مرة نفسى على القتل إلى أن بلغنا الدار. وحمل الخدم الصناديق، وحمل صندوقى


[١] أى زورق من الزوارق الخفيفة.