للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر وفادة الطّفيل بن عمرو الدّوسىّ وإسلامه

قال محمد بن إسحق رحمه الله تعالى: كان الطّفيل بن عمرو الدّوسى يحدّث أنه قدم مكّة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم بها، فمشى إليه رجال من قريش- وكان الطّفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا- فقالوا له: يا طفيل! إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذى بين أظهرنا قد أعضل بنا، قد فرّق بين جماعتنا، وشتّت أمرنا، وإنما قوله كالسّحر يفرّق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا، فلا تكلمنه، ولا تسمعن منه شيئا. قال الطّفيل: فو الله ما زالوا بى حتى أجمعت على ألّا أسمع منه شيئا ولا أكملّه، حتى حشوت فى أذنى حين غدوت إلى المسجد كرسفا «١» فرقا «٢» من أن يبلغنى شىء من قوله، وأنا لا أريد أن أسمعه «٣» ! قال: فغدوت إلى المسجد، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قائم يصلّى عند الكعبة، فقمت منه قريبا، فأبى الله إلّا أن يسمعنى بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت فى نفسى: واثكل أمّى؛ والله إنّى لرجل لبيب شاعر، وما يخفى علىّ الحسن من القبيح، فما يمنعنى أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ فإن كان الذى يأتى به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، قال: فمكثت حتى انصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى بيته، فاتبعته حتى إذا دخل بيته [دخلت عليه «٤» ] فقلت: يا محمد إنّ قومك قد قالوا لى كذا وكذا- للذى قالوا- فو الله ما برحوا يخوّفوننى أمرك حتى سددت أذنى بكرسف ألا أسمع قولك، ثم أبى الله إلا أن يسمعنى قولك، فسمعت قولا حسنا، فاعرض علىّ أمرك. قال: