والطعن واللائمة، فيأتى ذلك على قلوب قد فرغت له، وسهل عليها فلم تنكره، ورأته مما بدأت به في تأنيسها.
[ذكر صفة الدعوة السابعة]
قال رحمه الله: اعلم أنّه متى أنس المدعو، بما ذكرناه كلّه أو بكثير منه، وقوى في نفس الداعى أنّه يصلح لما بعد هذا، إن كان الداعى بالغا، وبأغراض الدعوة عالما، وإلى التبليغ بمن يدعوه إلى هذه الأمور قاصدا- أتى بما نذكر؛ وأمّا إن كان الداعى مخدوعا ومتّخذا كالآلة ليتوصل به إلى التكسّب، ويمهدّ به الطريق ويرتّب، وهو غير بالغ إلى أعلى الرتبة في دعوة دون ذلك، فإنّه غافل لا يدرى كيف قصّته، ولا يظنّ أنّ الأمر الذي يراد به إلا ما عرفه وبلغه، أو ما يجانسه ويقاربه، فإذا أراد الداعى أن يسلك بالمدعو فوق ما وصفنا قال له: قد صحّ لك أنّ صاحب الدلالة الناصب للشريعة لا يستثنى بنفسه، ولا بدّ له من صاحب معه يعبّر عنه، ليكونا اثنين أحدهما هو الأصل والآخر عنه كان.
واعلم أنّ ذلك لم يحصل في العالم السفلى إلا وقد يحصل مثله في العالم العلوى، فمذ بدء العالم اثنان هما أصل الترتيب وقوام النظام، أحدهما هو الأعلى والمفيد، والآخر هو الآخذ عنه المستفيد، وربما أنسوه في ذلك بأن يقولوا له: هذا هو الذى أراده الله بقوله (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ