[ذكر استيلاء أبى سعيد الجنابى على هجر وما كان من خلال ذلك من حروبه ووقائعه]
قال الشريف أبو الحسين: كان من الاتّفاق لأبى سعيد أن البلد الذى قصده بلد واسع كثير الناس، ولهم عادة بالحروب، ورجال شداد جهّال غفل القلوب، بعيدون من علم شريعة الإسلام ومعرفة نبوّة أو حلال أو حرام، فظفر بدعوته في تلك الناحية، ولم يناوئه مناوىء، فقاتل بمن أطاعه من عصاه حتى اشتدت شوكته جدا، وكان لا يظفر بقرية إلا قتل أهلها ونهبها، فهابه الناس وأجابه كثير منهم طلبا للسلم، ورحل من البلد خلق كثير إلى نواحى مختلفة وبلدان شتى، خوفا من شرّه، ولم يمتنع عليه إلا هجر، وهى مدينة البحرين ومنزل سلطانها والتجّار والوجوه، فنازلها شهورا يقاتل أهلها، فلما طال عليه أمرها وكل بها جلّ أصحابه من أهل النجدة، ثم ارتفع فنزل الأحساء وبينها وبين هجر ميلان، فابتنى بها دارا وجعلها منزلا، وتقدّم في زراعة الأرض وعمارتها، وكان يركب في الأيام إلى هجر هو ومن يحاصرها، ويعقب من أصحابه في كلّ أيام قوما، ثم دعا العرب فأجابه أوّل الناس، بنو الأضبط من كلاب، لأن عشيرتهم كانوا أصابوا فيهم دما، فساروا إليه بحرمهم وأموالهم فنزلوا الأحساء، وأطمعوه في بنى كلاب وسائر من يقرب منه من العرب، وطلبوا منه أن يضمّ إليهم رجالا ففعل ذلك، فلقوا بهم عشيرتهم فاقتتلوا فهزمتهم القرامطة فأكثروا فيهم القتل، وأقبلوا بالحريم والأموال والأمتعة نحو الأحساء، فاضطر المغلوبين إلى أن دخلوا في طاعته