أبى طالب بالديلم، واشتدت شوكته وكثرت جموعه وأتاه الناس من الأمصار، فأهمّ الرشيد أمره فندب الفضل بن يحيى فى خمسين ألفا، وولاه جرجان وطبرستان والرى وغيرها وحمل معه الأموال، فكتب إلى يحيى بن عبد الله ولاطفه وبسط أمله وحذّره، ونزل الفضل بالطالقان ووالى كتبه إلى يحيى، وكاتب صاحب الديلم وبذل له ألف ألف درهم على أن يسهل له خروج يحيى، فأجاب يحيى إلى الصلح على أن يكتب الرشيد أمانه بخطه، ويشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجلّة بنى هاشم ومشايخهم، فأجاب الرشيد إلى ذلك وبعث له بالأمان وبعث بهدايا وتحف، فقدم يحيى مع الفضل إلى بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحب وأمر له بمال كثير، ثم حبسه الرشيد فمات فى الحبس.
[ذكر الفتنة بدمشق]
فى هذه السنة هاجت الفتنة بدمشق بين المضرية واليمانية، وكان رأس المضرية أبو الهيذام عامر بن عمارة «١» بن خريم الناعم، وكان سبب الفتنة أن غلاما للرشيد بسجستان قتل أخا لأبى الهيذام، فخرج أخوه بالشام غضبا له، وجمع جمعا عظيما ورثاه فقال:
سأبكيك بالبيض الرقاق وبالقنا ... فإنّ بها ما يدرك الطالب الوترا
ولسنا كمن ينعى «٢» أخاه بعبرة ... يعصّرها من ماء مقلته عصرا
وإنّا أناس ما تفيض دموعنا ... على هالك منّا وإن قصم الظهرا