للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر أخبار دولة على بن مهدى الحميرىّ وبنيه

وهم من أهل قرية يقال لها العنبرة من سواحل زبيد، وكان أبوه رجلا صالحا سليم القلب، ونشأ ولده علىّ هذا على طريقة أبيه فى العزلة والتمسك بالصلاح، وحج وزار ولقى حاجّ العراق وعلماءها ووعّاظها، وتضلّع فى [١] معارفهم، وعاد إلى اليمن، فاعتزل وأظهر الوعظ، وإطلاق التحذير من صحبة العسكرية، وكان فصيحا صبيحا أخضر اللون طويل القامة مخروط الجسم بين عينيه سجّادة [٢] ، حسن الصوت، طيب النغمة، حلو الإيراد، غزير المحفوظات، قائما بالوعظ والتفسير وطريقة الصوفية، وكان يحدّث بشىء من أحواله المستقبلات فيصدق، وكان ذلك من أقوى عدده فى استمالة قلوب العالم، وظهر أمره بساحل زبيد بقرية العنبرة وقرية واسط وقرية القضيب والأهواب/ (١٢٢) والمقتفى وساحل الفازة وكان يتنقل بينها. وكانت عبرته لا ترقأ على ممر الأوقات، ولم يزل يعظ الناس فى البوادى من سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة فإذا دنا الموسم خرج حاجا على نجيب له إلى سنة ست وثلاثين [وخمسمائة] .

ثم أطلقت الحرة أم فاتك ابن منصور له ولأخوته وأصهاره ومن يلوذ بهم خراج أملاكهم، فلم تمض بهم هنيهة حتى أثروا، واتسعت حالهم، فركبوا الخيل.

ثم حالفه قوم من أهل الجبال على النصرة، فخرج من تهامة إليهم فى سنة ثمان وثلاثين، فجمع جموعا تبلغ أربعين ألفا، وقصد بهم مدينة الكدراء، فلقيه القائد إسحاق بن مرزوق السحرتى [٣] فى قومه، فهزموا أصحابه، وقتلوا خلقا من جموعه، وعفوا عن أكثرهم، وعاد ابن مهدى إلى الجبال، وأقام بها إلى سنة إحدى وأربعين [وخمسمائة] ، ثم كاتب الحرّة بزبيد، وسألها فى ذمّة له ولمن يلوذ به، ويعود إلى وطنه، ففعلت له ذلك على كره من أهل دولتها، ومن فقهاء عصرها، ليقضى الله أمرا كان مفعولا.


[١] فى «أ» ص ١٢١ «من معارفهم» .
[٢] السجادة: أثر السجود فى الجبهة.
[٣] فى «أ» ص ١٢٢ والمثبت من المفيد ص ٢١٨.