فقد قال الله عز وجل فيه مخاطبا له صلّى الله عليه وسلّم:«وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»
«١» قالت عائشة رضى الله عنها: كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه، وقال صلّى الله عليه وسلّم:«بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق» قال علىّ وأنس رضى الله عنهما: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن الناس خلقا. وكان صلّى الله عليه وسلّم- فيما ذكره المحققون- مجبولا على ذلك فى أصل خلقته وأوّل فطرته، لم يحصل ذلك له باكتساب ولا رياضة، إلا بجود إلهى وخصوصيّة ربانيّة، ومن طالع سيرته منذ صباه وإلى آخر عمره، حقّق ذلك وكذلك سائر الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.
[وأما حلمه واحتماله وعفوه]
مع القدرة، والصبر على ما يكره، فقد جعلوا بين هذه الألقاب فرقا، فقالوا:
الحلم حالة توقير وثبات عند الأسباب المحرّكات، والاحتمال حبس النفس عند الآلام والمؤذيات، ومثله الصبر، ومعانيها متقاربة، وأما العفو فهو ترك المؤاخذة، وهذا كله مما أدّب الله تعالى به نبيه صلّى الله عليه وسلّم فقال:«خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ «٢» »
روى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما نزلت عليه هذه الآية سأل جبريل عن تأويلها فقال له: حتى أسأل العالم، ثم ذهب فأتاه فقال:«يا محمد إن الله يأمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمن ظلمك» . وقال تعالى مخاطبا له صلّى الله عليه وسلّم: «وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ