الموفّق، ثم كتب بعد ذلك لابن السّلار منشور بإقطاع، فدخل به إليه، فتغافل عنه وأهمل أمره؛ فقال له ابن السّلار: ما تسمع؟ فقال: كلامك ما يدخل فى أذنى أصلا. فأخذ ابن السّلار منشوره وخرج من حيث أتى. فلمّا ولى أمر الدّولة دحل عليه الموفّق وسلّم عليه، فقال له:
ما أظنّ كلامى يدخل فى أذنك. فتلجلج بين يديه وقال له: عفو السّلطان. فقال: قد استعملت للعفو من حين خروجى من عندك، ما أتيتك به. وأشار لبعض خدمه فأحضر مسمارا من حديد عظيم الهيئة «١» ، وقال: هذا والله أعددته لك من ذلك الوقت. وضرب المسمار فى أذنه حتى نفذ من الأخرى، وحمل إلى باب زويلة الأوسط ودقّ المسمار فى خشبة، وعلّق عليها وقد مات.
ذكر ما فعله الفرنج بالفرما وما جهّزه العادل من الأسطول إلى بلادهم
وفى شهر رجب سنة خمس وأربعين وخمسمائة أغار الفرنج على الفرما فنهبوها وأحرقوها «٢» وعادوا إلى بلادهم. فجهّز العادل المراكب الحربيّة وشحنها بالرّجال وسفّرها فى شهر ربيع الأول سنة ستّ وأربعين، فمضت إلى يافا وقاتلوا من بها فى المراكب، واستولوا على عدّة كثيرة من مراكب الفرنج، وأحرقوا ما عجزوا عن أخذه، وقتلوا خلقا كثيرا. ثم امتدّوا إلى ثغر عكّا وفعلوا فيه كفعلهم بيافا. وكذلك فعلوا بصيدا وبيروت وطرابلس. وأنكوا فى الفرنج نكاية عظيمة.