فهو أن يثبت المتكلّم شيئا فى ظاهر كلامه وينفى ما هو [من «١» ] سببه مجازا، والمنفىّ فى باطن الكلام حقيقة هو الذى أثبته كقول امرئ القيس:
على لا حب لا يهتدى بمناره ... إذا سافه «٢» العود النّباطىّ جرجرا
فظاهر هذا الكلام يقتضى إثبات منار لهذه الطريق، ونفى الهداية «٣» به مجازا وباطنه فى الحقيقة يقتضى نفى المنار جملة، والمعنى أن هذه الطريق لو كان لها منار ما اهتدى به، فكيف ولا منار لها، كما تقول لمن تريد أن تسلبه الخير: ما أقلّ خيرك! فظاهر كلامك يدلّ على إثبات خير قليل، وباطنه نفى الخير كثيره وقليله.
وقول الزبير بن عبد المطلب يمدح عميلة بن عبد الدار «٤» - وكان نديما له-:
صحبت بهم طلقا يراح الى الندى ... اذا ما انتشى لم تحتضره مفاقره
ضعيف بحثّ الكأس قبض «٥» بنانه ... كليل على وجه النديم أظافره
فظاهر هذا أنّ للممدوح مفاقر لم تحتضره إذا انتشى، وأنّ له أظافر يخمش بها وجه نديمه خمشا ضعيفا، وباطن الكلام فى الحقيقة نفى المفاقر جملة، والأظافر بتّة.