وكانت من الفصحاء- حكى أنها لما وفدت على معاوية قال لها كيف كان كلامك يوم قتل عمّار بن ياسر؟ قالت: لم أكن والله زوّرته «١» قبل ولا رويته بعد، وإنما كانت كلمات نفثهن لسانى حين الصدمة، فإن شئت أن أحدث لك مقالا غير ذلك فعلت، قال:
لا أشاء ذلك، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أيّكم حفظ كلام أمّ الخير؟ فقال رجل من القوم: أنا أحفظه يا أمير المؤمنين كحفظى سورة الحمد، قال: هاته، قال:
نعم، كأنّى بها يا أمير المؤمنين عليها برد زبيدىّ، كثيف الحاشية، وهى على جمل أرمك «٢» ، وقد أحيط حولها وبيدها سوط منتشر الضّفر «٣» ، وهى كالفحل يهدر فى شقشقته تقول: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ
إن الله قد أوضح الحقّ، وأبان الدليل، ونوّر السبيل، ورفع العلم، فلم يدعكم فى عمياء مبهمة، ولا سوداء مدلهمّة؛ فأنّى «٤» تريدون رحمكم الله؟ أفرارا عن أمير المؤمنين، أم فرارا من الزّحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادا عن الحق؟ أما سمعتم الله عزّ وجلّ يقول: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ
ثم رفعت رأسها إلى السماء وهى تقول: اللهمّ قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة، وبيدك يا رب أزمّة القلوب، فاجمع الكلمة على التقوى، وألّف القلوب على الهدى، وردّ الحقّ إلى أهله؛ هلمّوا رحمكم الله إلى الإمام العادل،