للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر وفاة الأمير بدر الدين بيليك الخزندار]

كانت وفاته، رحمه الله تعالى، بقلعة الجبل فى ليلة الأحد سادس شهر ربيع الأول سنة ست وسبعين وستمائة، وذلك أنه لما وصل إلى خدمة السلطان الملك السعيد وقف وحلف الأمراء والخواص والأجناد وغيرهم للملك السعيد، فلما تكامل ذلك توجه إلى والدة السلطان زوجة مخدومه ليعزيها بالسلطان ويهنيها بسلطنة ابنها، فشكرت فعله وما اعتمده من حق ولدها من حفظ السلطنة عليه، ثم أخرجت له هنابا فيه مشروب، وقالت له: «أشرب هذا فأنك قد تعبت فى هذا اليوم وما أكلت شيئا.» فقال لها: «والله لى ثلاثة أيام ما آكل فى كل يوم نصف أوقية طعام خوفا على السلطان الملك السعيد، ولم أزل أدارى الأمراء منذ وفاة السلطان إلى أن كمل هذا الحلف المبارك» . وتناول الهناب وشرب منه جرعتين وأعاده فى الثالثة لكثرة إلحاحهم عليه، وتوجه إلى داره فحصل له قولنج، وانقطع وتزايد به الأمر، فمات، رحمه الله تعالى. وهذا الفصل الذى دبرته والدة الملك السعيد من سوء التدبير وقبح المكافأة، فأنه وقع الخيال عندها وعند ابنها منه، ولعل هذا الخيال كان غير صحيح: فإنه أحسن السياسة وأجمل التدبير ووفى لمخدومه، وكان رحمه الله تعالى، تربية السلطان، اشتراه وهو مفردى ورياه من صغره، وكان خزنداره، ثم أستاد داره فى الإمرة، ونائبه فى السلطنة وكانت مكانته عنده مكينة، يرجع إلى رأيه ويعتمد عليه فى سائر أحواله ويثق بنصحه، وتمكن فى الدولة الظاهرية تمكنا عظيما، وكان له بالديار المصرية إمرة مائة فارس وبالشام إمرة خمسين فارسا، وجعل له السلطان عند زواجه